الثلاثاء، أبريل 17، 2012

المعمدان الابن البكر !


هُضم حق يوحنا المعمدان كثيراً ، لما ذكره العهد الجديد كحدث عابر وعامل مساعد على أقل تقدير ، ما لبث أن صار غابر ليس له في عهد النعمة تاثير ، فلم يات ذكره إلا في حدود ضيقة المدى ــ للقاري السطحي ــ إلا أنه وبالغوص في أعماق الألفاظ ، والحوارات والجُمل والاحداث ، فإنا نستطيع أن نخرج بحياة أخرى ليوحنا المعمدان ، غير تلك التي سلط العهد الجديد الضوء عليها ، لخدمة ما يبدو أنه كان ما يربوا إليه كُتَّابه وقتئذ ، ولما يكون ذلك فإننا نفاجئ بأنه ــ يوحنا المعمدان ــ تارة يعلو مقاماً عن المسيح يسوع ، وتارة يساويه ، إلا أنه لا يقل عنه بحال ! مما جعلنا نهتم لأمره هذا ، ونتقصاه ونخرج مما بقي من سيرته المنقوصة سيرة جليه ، منذ ميلاده وحتى مقتله أو وفاته .
ومن المحزن ، والجدير ذكره أيضاً أننا نجد أن ما اعتبرناه إضافات كانت لتعزيز دور المسيح يسوع ، هي هي التي منها خرجنا بجوهر وكنه المعمدان ، إلا أن العامة أخذوا ذلك محض إضافات لحساب المسيح على حساب يوحنا المعمدان !
فمنذ البشارة بيوحنا جنيناً ، تحمله أليصابات زوج زكريا وهو معدود من العظماء أمام الرب (لو 15/1) ، ولا يقرب الخطية ويمتلي في بطن أمه من الروح القدس ، وكثير من العظماء هم مخطئون وهم عظماء ــ دنيوياً ــ رغم ذلك ، إلا أن يوحنا المعمدان فبالإضافة إلى كونه عظيماً من الله فهو خَيِّر ولم يرتكب الخطية فلم يقرب مقدماتها حتى ، إلا أن الأبرز في ذلك كله أنه لم يكن ليرتكب خطية ، فقد امتلى بالروح القدس ، وامتلى أي صار بلا حيز فارغ ليحتوي غير الروح القدس ، فلم يكن للخطية حيز في قلبه وكيانه أو نواياه أو عمله ــ ولا أدري ، هل يمحو ذلك الخطية الموروثة اللصيقة ؟ــ فالروح القدس أقنوم إلهي كامل وليس مجرد عامل مساعد لأقانيم أخرى . ثم وإن افترضنا وجود الخطية اللصيقة بــ (إنسان) ما كان ليرتكب خطية مكتسبة ، وزيد على هذا امتلاءه بالروح القدس فهذا مبرر قوي لجعله كائن مثل من ظهر في وسطهم ، وسنعود لهذا الأمر بالتفصيل لاحقاً .
على هذا الظن ــ الامتلاء بالله ــ فلا يجتمع الله والخطية في مكان ، لاسيما وأنه جسم وروح إنسان . فإذا اعتبرنا أنه ــ يوحنا المعمدان ــ منزه عن أي خطية للأمر السالف ذكره ، نجد أن هذا الأمر غير واضح وليس مطروق بجلاء ليفهمه الناس ، فالأهم عندهم هو أن يكون يسوع هو المتمتع الوحيد والأوحد بتلك الميزة دون غيره ! (وإنا سنرى لاحقاً أن التمتع بهذه الميزة على حال يسوع يعتبر نقصاً في ناسوته) .
إلا أن الحق لا بد أن يُقال ، ويظهر ، ويتم بيانه ، فها هوذا يوحنا ، جاء هو الآخر مُنقىَ من الخطية ، فليس يسوع بذلك هو المتفرد والحائز الوحيد على القول في (عب 15/4) "لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا ، بل مجرب في كل شيء مثلنا ، بلا خطية) فها هوذا يوحنا المعمدان ، كان في حياته مجرب في كل شيء ، مثل كل البشر ، وبلا خطية !
وجدير بالذكر أنه إذا جئنا على القول "مجرب في كل شيء" مضاف إليه الوصف "مثلنا" مُحلىَ بالتنزيه "بلا خطية" ، نجد أن يوحنا المعمدان والمسيح يسوع مشتركان في شيء واحد في هذه الآية الجليلة ، وهذا الشيء المشترك بينهما هو "بلا خطية" بينما تتفق الآية في باقيها ويوحنا المعمدان ، دون المسيح يسوع ! كيف ؟ يظهر أن يوحنا المعمدان هو الأجدر في القول "مجرب في كل شيء" فواحدة ــ فرضاً ــ أنه حمل الخطية الموروثة والتي زالت ، بامتلاءه بالروح القدس ، فتلك تجربة لم يحوزها يسوع ذاته ! والثانية أن يوحنا مثل البشر في ميلاده الطبيعي ، وليس كيسوع في ميلاده من عذراء . وهنا يبرز يوحنا المعمدان في براءته ، وقداسته ، ونزاهته ، وطهره من أي خطية ، رغم اجتماع أسبابها في تكوينه ، وهي الأسباب المؤدية لتوارثها ، ولكن أي شيء هو الذي يقف صامداً أمام روح الله المقدس الممتلي به يوحنا سلفاً ؟! ، وعليه لا يكون يسوع في تلك الحالة "مثلنا" فهو ليس مجرب في كل شيء ، إذ دُعي أنه بلا خطية على الإطلاق ، كما أنه لا يماثلنا في الظهور أي الميلاد . أما يوحنا المعمدان فهو مثل البشر في كل شيء سواء التجربة أو الميلاد ، إلا أن الروح المقدس فيه كان هو الكائن ولا كائن سواه .
هذا الكلام المفاجئ ، ورغم كثرته وزخر الكتاب المقدس منه ، غير أنه مهمل كإهمال يوحنا المعمدان ، إلا من كونه "صوت صارخ في البرية" يُعِد طريق الرب ! فهذا ما دار على الألسنة وما فهمته العقول وما فتئت به تكرز وتقول ...
ولكن ، هذا الكلام الجميل لا يؤهل لوحده ، أن يجعل يوحنا المعمدان ابناً إلهيا بكراً ، يجب أن يقدسه المسيحيون ، كإله ، أو اعتباره ، أقنوم إلهي مع الاقانيم ، إذ لا بد أن يتوفر فيه ما يجب أن يكون من خصايص الإله ، كي يكون في هذا الأمر معتبراً . ولأن ذات السبب ، قد لحق بشخص يوحنا المعمدان في الإهمال ، إلا أن صفة وحيدة لزمته والتزمها المسيحيون ، هي التي ذكرناها سلفاً التزموها دون سوها "صوت صارخ في البرية" (إش 40/3) ، (مت 3/3) ، (مر 3/1) ، (مر 4/3) ، (يو 23/1) الواقع لا أدري هل لأرقام الإصحاحات والأعداد علاقة فيما نتكلم فيه ؟ ربما ، ولكن ليس هذا موضوعنا .
ولما ظهر المعمدان صوتاً في البرية يُعد طريق الرب ويقومه ، فإننا نبرز هنا مزيداً من الأوصاف العُليا ، التي ما كان لمجرد بشر أن يحملها ، وما كان لإله أن يفقدها ، يقول القديس لوقا في إنجيله ، على لسان زكريا أبي يوحنا المعمدان من الجهة البشرية : "وأنت أيها الطفل ستُدعى نبي العلي لأنك تسير أمام الرب لتعد طرقه وتُعلم شعبه الخلاص بغفران خطاياهم" (لو 76/1) ومن هذه الآية العظيمة ، فنحن إن لم نستخلص منها عدة موضوعات كبرى بخصوص عظمة المعمدان ، وألوهيته ، فيجب أن نُقر بأننا نُغمض أعيننا كثيراً عن الحقايق ، التي استوعبنا خلافها بمجرد الوراثة للدين ، وما اكتسبناه من الوالدين ، أو الكهنة القاصدين ، أو المجتهدين ، وما عاد مجال لتبديلها بالتفكير ، أوالتأمل في آيات الكتاب المقدس ــ الذي هو بذلك جدير ــ وإلا تكون مهرطقاً كبيراً ، وينصح لك ناصح "لا تتأمل فقط انقل" ! .
تسرد هذه الآية (لو 76/1) عدة أوصاف عظيمة ، ليوحنا المعمدان ، وعلى مثال يسوع ، إلا أنه يجدر بنا أيضاً أن نقول ، أن القول "لكل مقام مقال" ينطبق على أوصاف المعمدان أكثر ، وما تحلى به يسوع زيادةً على ماكان لديه ، إلا شبيه الاستعراض الإلهي ، في جسم الناسوت ، وليس له محل من الاعراب ، في قضية الفداء خصيصاً ، فما الداعي أن يُحيي الموتى مثلاً ؟ وما الداعي أن يشفي مريض حقاً ؟ نجد أن كل هذا لم يكن البشر في حاجة إليه بقدر ما هم كانوا بحاجة أولى لغفران خطاياهم ، من أجل دخول ملكوت السموات آمنين . نعود للآيات (لو 76/1) ففيها نجد بجلاء أن يوحنا المعمدان بلا خطية ، فحين قال : "تسير أمام الرب لتعد طرقه" فهذه واحدة تثبت نقائه ، فإذا كان تجسد الله ، وصلبه كذبيحة واحدة ، كافية عن كل البشر وفداءً لمحو خطيتهم ، فليس من الصواب البتة استعمال خاطي فيه خطية لمحو خطية ! وإلا فيكون الكل مهدوم فما يُبنى على باطل فهو باطل (إر 5/2) وعلى هذا الأساس فإن (مُعِد طريق الرب) لا بد من صحته ونقاوته لهذه المهمة ، لاسيما نقاوته من الخطية الأولى الموروثة ، لأن المهمة في الأصل مُجراة من أجل محوها ، وكما أن "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب" (مت 25/12) ، (لو 17/11) فإذا سلمنا واستسلمنا بأن يوحنا له خطية ولو صغيرة ، ولو موروثة لم تمحى ، قبل البدء في أي خطة إلهية ، أو النية في عمل فدائي ، فنحن نأسف أن نقول باطل هو الصليب ! إذ أن الإعداد في الأصل كان معوجاً منذ البدء ، ولم يراعَ فيه الانسجام ، أما في حال كونه بلا خطية ، فذلك يفرض علينا التسليم بأنه ابناً بكراً ، كما هو الواقع المُعاين ، وأقنوماً كاملاً ، كما هو الاستنتاج المُبين ، فهو مُرشد الرب ، أي دليله ، ممهدٌ له الطريق ومُعدهُ ، مُعلم ، مُخَلِصُ ، غافر الخطايا ، رحيم .
وعن قول أبيه ، من الجهة البشرية ، زكريا "وأنت أيها الطفل ستدعى ابن العلي" فهو يعد دليلاً آخر على أقنومية يوحنا المعمدان وبنوته ، فبروجوعنا لتلك الآية الوحيدة ، التي اشتهرت عن يوحنا المعمدان على الألسنة أنه "صوت صارخ في البرية" نعلم أنه ليس مجرد شخص عادي ، فهو لما سئُل "من أنت ؟" فاعترف "لست المسيح" ويُظَنُ أن قوله هذا راجع إلى عدة أسباب هامة هي : الأول أنه بلا خطية ، مثل المسيح بلا خطية ، لدرجة أن اعتبره المعاصرون له أنه هو المسيح ، ولكنه وفي الإجابات التالية على تكرار ذات السؤال "من أنت ؟" اتضح أنه أعظم من مجرد كونه المسيح ، وسنرى ذلك ونعاينه . السبب الثان أنه ماسح المسيح حسب القول في (إش 61/1) "لأن الرب مسحني لأبشر المساكين" وقد قرأ هذه الآية المسيح يسوع ، على الملأ ، وذكرها القديس لوقا في بشارته (لو 18/4) ونحن نقول أنه ماسح المسيح لأن وصف المسيح يعني الشخص الممسوح ، أما وصف المعمدان فيعني الصابغ ، ولما كان يوحنا هو "صوت مناد في البرية" من أجل تقويم طريق الرب ، وهو ليس المسيح ، وأن المسيح هو نفسه يقول "لأن الرب مسحني ..." فيوحنا بذلك يكون هو ماسح المسيح ، فهو مصدر المسحة التي تلقاها المسيح ، ولما نرى أن أبيه زكريا من الجهة البشرية يقول عنه أنه نبي العلي يُدعى (لو 76/1) وهو نفسه ــ أي المعمدان ــ أجاب عن نفسه في سياق إجاباته عن ذات السؤال المتكرر "من أنت ؟" .. "النبي أنت ؟" أجاب هو "لا" !! ما معنى هذا ؟ أهو تناقض ؟ بين قول زكريا في التسبحة وجواب يوحنا عن نفسه ، قد يبدوا في الأمر تعارض ! غير أنه ليس بتعارض ولا بتناقض على الإطلاق ، فبقدر ما أن تسبحة زكريا هي وحي بنبوة ، ولا بد أن تأخذ النبوة الشكل الغامض ، لا التصريح الذي قد يَشُذ فتُرفض ، فلا يدركها إلا العارف ، بينما جواب يوحنا فهو تحقيق لتلك النبوة في صورتها وشكلها الحقيقي ، فهو ليس النبي ، كما قال هو عن نفسه ، وهو أيضاً نبي العلي ، كما قال عنه أبيه زكريا ، من الجهة البشرية ، فكلمة "نبي العلي" تضاهي "صوت مناد في البرية أعدوا طريق الرب" فكأنها تعبير عن شخص يتحدث عن ذاته ! ويبدو ذلك موَضحاً أكثر في الآية "لأن الرب مسحني" (لو 18/4) فيوحنا هو صاحب المسحة ، على يسوع ، ليصير يسوع مسيحاً ، وذلك في المعمودية ، ثم استقباله للروح القدس . فعلى الرغم من أن سؤال الكهنة له كان "من أنت ؟" لم يرد هو الرد الطبيعي المنطقي على مثل هذا السؤال ، كأن يذكر صفة ككنية أو اسم علم وهوية تعريفية ، ولكنه ذكر فعل لفاعل هو "صوت مناد" وأمر "قوموا" أو "أعدوا" ومع القول "لأن الرب مسحني" نجد أن قوله "أعدوا طريق الرب" يقولها كمن يقولها على ذاته ، وأن القايم بتعميد يسوع هو يوحنا ـ واهب مسحة الروح القدس ـ بالمعمودية .
وإضافة لكل ما سبق ، يقول يسوع في (يو 18/1) "إن الله ما رآه أحد قط ، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو أخبر عنه" ثم يلج الكاتب مباشرة في شهادة المعمدان فيقول أنه قال وأقر بأنه ليس المسيح ولا إيليا ولا النبي إنما هو صوت في البرية ، أعدو طريق الرب . وبهذا يكون المعمدان هو المُخبر عن الآب بل هو الخبر الذي تحدث عنه يسوع ، فنحن إذا أخفينا شطر الآية الثان واكتفينا بالشطر الأول منها "صوت مناد في البرية * أعدو طريق الرب" فإننا سنكون أمام سؤال هو : وما شان ذلك النداء في البرية ؟ وعندما نُكمل ونقرأ بقية شطر الآية فإننا سنكون بذلك حصلنا على إفادة تامة ، والذي أفادنا هو الشطر الثان في الآية وهو الذي أخبرنا بماهية الصوت المنادِ لذلك فهو الخبر الذي قصده يسوع في (يو 18/1) . على هذه الأسس سالفة الذكر هُيء المسيح يسوع ، من خلال مسحهِ بيوحنا المعمدان المُعلم ، بأن يكون مناط الخلاص ، بعد أن استشربه من مصدره المعمدان ، وذلك حسب (لو 77/1) .
إن عظمة يوحنا المعمدان لا يجب أن تقف بالنظر السطحي عند الآية "صوت صارخ في البرية" يُعد طريق الرب ، ومن هذه السطحية ، يكون العجل والملل ، فما وراء هذه الكلمات البسيطة تكمن العظمة ، التي تاهت من أمام كل مومن ، وتبرز الحقيقة ، وتتضح المسالك ، ويجلو الفكر لفكر أرقى ، لا تحده حدود ، وإلا نكون رمينا الإله بأنه محدودٌ وحاشاه .

الجمعة، يناير 21، 2011

على هامش المعمودية

قرأنا في الجزء الأول من موضوع المعمودية أن يوحنا المعمدان لم يتعمد لأنه من بطن أمه امتلأ بالروح القدس١ وعلمنا مدى الصلة بين الروح القدس والمعمودية حيث أنها صلة حقيقية٢ إذ أنه لا معمودية إلا بالروح القدس فهو الذي يعطي ماء المعمودية فاعليته وبلا روح قدس فلاشيء٣ .
إلا أن هذا الكلام لقي معارضات لطيفة من الأخوة الرافضين رافضاً تاماً وجود أي صلة بين موضوع المعمودية وموضوع الروح القدس فهما منفصلان وأن الروح القدس له مهاماً محددة ذكروها مراراً ولكن بمنآى عن المعمودية بشكلٍ تام !* ولكن المنطق يقول أن الكلام المُوَثق هو أوثق من الكلام الشفوي المرسل لهذا كان كلام المرجع المسيحي دليلاً على صحة موضوع المقال فلما يكون روح القدس هو المُعطي لماء المعمودية فاعليته٤ للتطهير فبالتالي يكون هو أولى ـ الروح القدس ـ بالتطهير دون أن يحل على الماء فضلاً عن أنه أقنوم كامل له جميع الخصاص غير محدود ، فيكون يوحنا المعمدان الذي امتلأ في بطن أمه بالروح القدس قد نال العماد مباشرة من المصدر الأطهر .

ولما تساءلنا عن مصدرية تعميد يوحنا المعمدان أي من الذي عمده ؟ اختلفت جميع الأجوبة عن بعضها البعض إذ كانت كالتالي :
1. أنه لم يتعمد أصلاً
2. أنه نال معموديته بالدم إذ قد مات شهيداً
3. أنه نال عماده من عملية الفداء كما نالها جميع الراقدون المؤمنون قبل الفداء
**
إلا أن جميع تلك الأجوبة لم تعتمد على مصدر أو مرجع لتستند عليه في طرحها باقية على ما هي عليه من فكرة انفصال موضوع الروح القدس عن موضوع المعمودية ! ورغم أن النص الكتابي واضح وضوح الشمس وصريح في أن يوحنا المعمدان نال الروح القدس في بطن أمه وهو ما تجري من أجله المعمودية ويرفضه البعض يؤكده كلام القساوسة المسيحيون الكرام . ثم دللنا أن عظمة يوحنا المعمدان تكمن في أنه تمتع بالثالوث القدوس روحاً وحساً٥ .
إن خروج يوحنا المعمدان من بطن أمه متمتعاً بالروح القدس يملئه روحاً وحساً هو تماماً كخروج المؤمنون من فُلكِ نوح بعد هدوء الطوفان وكخروج النبي يونان من بطن الحوت بعد الغفران وكخروج العبرانيين من أرض مصر من وجه الطغيان ، كل ذلك ألا يشبه قيامة المسيح بعد دفنه وهو الذي ترمز له المعمودية ؟؟ فلما نقول أن كل تلك الحوادث رموز لقيامة المسيح بعد دفنه وهو ماترمز له المعمودية والتغطيس ثلاثاً ثم لما يكون يوحنا المعمدان يماثلهم في ذلك نقول "لا" إنه أمر مختلف !! فعلى أي شيء اعتمد الرافضون في جعله مختلف ؟
هذا فبإيراد بعض الأدلة التي توافق موضوع المقال وعليه يكون القديس يوحنا المعمدان مبرءاً من الخطأ الفعلي إذ لم يُعرف عليه خطأ ، وما كان ليُخطئ٦ فضلاً عن ولادته مبرءاً من الخطية الموروثة٧ ومن ذلك نجدنا أمام الاختيار الإلهي للمسيح فادياً لأنه بلا عيب٨ أنه قد أُبطِلَ لوجود آخر سابق عليه في القداسة والميلاد وإلا فعلينا أن نقبل أن الاختيار الإلهي كان على أساس اصطفاء وليس على أساس نقاء ، إذ قد أخطأ الجميع .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ، إنجيل لوقا (1 : 15)
٢ مكرم نجيب ، المعمودية بين المفهوم والممارسة ، دار الثقافة ط1 ، ص 128 ـ 138
٣ نفس المرجع السابق
* كلام السادة المحاورون في منتدى الأقباط الأحرار ، الأخت الفاضلة (ليه كده) ، الأخ (كوبتك إيجل) ، الأخ (اشمعنى)
٤ المرجع السابق
** أجوبة السادة المحاورون في المنتدى الأخت الفاضلة (ليه كده) ، الأخ (كوبتك إيجل) ، الأخ (اشمعنى)
٥ البابا شنودة الثالث ، عظمة القديس يوحنا المعمدان، مقال ينص فيه أن يوحنا المعمدان تمتع بالثالوث القدوس روحاً وحساً ـ أي أنه تمتع بالشيء الذي تتم به المعمودية (متى 28 : 19) وذلك أثناء حياته ما ينفي جميع الأجوبة سالفة الذكر ـ
٦ إبراهيم سعيد ، شرح بشارة لوقا (1 : 15 : 16) ص12 فقرة ج ، ط4 ، دار الثقافة
٧ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ، رسالة يوحنا الأولى (3 : 9)
٨ الكتاب المقدس ، العهد الجديد ، رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين (4 : 15 ، 7 : 25 ، 9 : 14) ورسالة بطرس الرسول الأولى (1 : 19 ، 2 : 22)

الأربعاء، مارس 25، 2009

" بعد قليل " والعلم في الإنجيل

قال السيد يسوع المسيح في إنجيل القديس يوحنا الرسول :
" إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن . وأما متى جاء ذاك ، روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه لايتكلم من نفسه ، بل كل ما يسمع يتكلم به ، ويخبركم بأمورٍ آتية . ذاك يمجدني ، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم . كل ما للآب هو لي ، لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم . بعد قليل لا تبصرونني ، ثم بعد قليل أيضاً ترونني ، لأني ذاهب إلى الآب "
... فقالوا : " ما هو هذا القليل الذي يقول عنه ؟ لسنا نعلم بماذا يتكلم " .
[ إنجيل يوحنا 16 : 12 ـ 16 ـ 18 ]

بدورنا نحن الآن كخدام للكلمة أن نقوم نقوم بالبحث عما هو هذا القليل الذي تسائل عنه تلاميذ سيدنا يسوع المسيح حينئذٍ ، ومن خلال كلماتٍ مباركة من وسط هذه الكلمات الي قالها السيد يسوع المسيح نستنتج ما هو هذا القليل الذي أخبر عنه ولم يبينه ، ونستنتج أيضاً ، هل الذي صُلب هو حقاً السيد المسيح أم آخر كما يروج المغرضون ؟ كل ذلك بأدلةٍ علميةٍ سوف يستبين ، فقط من خلال كلمات من ( الكتاب المقدس ) العهد الجديد ، عهد النعمة ، مرفقة بتجارب علمية دليلاً عليها ، والرب الموفق .
( ألم يكن السيد يسوع المسيح هو الذى على الصليب ؟ ) ( بلى ) هكذا يجيب كل إنسان مسيحى مؤمن بعقيدته إذا ما سُئل من إنسان مسيحىٍ آخر .
وبهذا يقول الإنجيل بشكلٍ صريح لكنه قد ينص بإيحاء على عكس ذلك ، فمن لديه أذنان للسمع فليسمع .
أيها الأخوة ، تعالوا نتخيل أنفسنا أمام سيدنا المسيح كتلاميذه ، ولنسمع , ولنعقل ما قال .
يقول السيد المسيح : " بعد قليل لا تبصرونني ، ثم بعد قليل أيضا ترونني " ( يوحنا 16 : 16 )
كان هذا الكلام قبل قليل من اندلاع حادثة الصلب الشهيرة ، وتنفيذها ، آى قبيلها مباشرة ، في مدةٍ لاتتعدى الساعات القلائل . ولكى نعي المقصد الحقيقي لهذه المقولة والتى سنستنتج منها لاحقاً حقيقة من هو بالتأكيد الشخص المصلوب لن يكون أمامنا سوى العلم سبيلاً للتوصل الى معانى تلك الكلمات التي قالها السيد يسوع المسيح في ( يو 16 : 16 ) " بعد قليل لا تبصروننى ، ثم بعد قليل أيضاً ترونني " .
إن حصتنا اليوم هى حصة في مادة العلوم البسيطة غير المعقدة لنعلم أن الرب الإله لا يخاطب آذاننا فنبقى سامعين فحسب بل إنه كما حثنا في رسالة القديس بطرس الرسول الأولى 1 : 13 " منطقوا أحقاء ذهنكم صاحيين " فعلينا أن نُعمل عقلنا في معرفته ، وهنا ، الآن ، وبالأسلوب العلمي ـ التجريبي ـ بما سنجريه من تجارب معدودة سنعرف بمشيئة الرب ماهذه الكلمات وما ترمي إليه في هذا الجانب بالذات.
قال السيد يسوع المسيح في سياقٍ مما قال : " بعد قليل لا تبصرونني " ولعلنا زدنا تشوقاً الآن فنتساءل عن هذا القليل كما تساءل التلاميذ قبلنا ؛ ولكي ندرك ماهو هذا القليل ، علينا أولاً ربط كلمات السيد يسوع المسيح بعضها ببعض فلنعرف أولاً ماهو الإبصار ؟ ـ بما أنه في سياق الكلمات موضوع الكلام ـ ، نستطيع أن نجيب بتعريفٍ مقتضبٍ مختصر بشكلٍ علمي عمومي لا يُخفى على أحدٍ ، بأن الإبصار هو ( في حال وجود ضوء ، انعكاس هذا الضوء على المادة إلى العين السليمة المجردة الناظرة فتُبصر ) كما يتضح أمامنا في الشكل (1)

وفي هذا الشكل نجد تصوراً تجريبياً لما ذكرناه من تعريف ، فالكرة موجودة وقد انعكست صورتها في وجود الضوء على العين المجردة السليمة الموجودة في مجال إمكان إبصارها كمادة ، ومن ذلك الانعكاس أمكن للعين أن تبصر " الكرة " ـ وهذا هو الإبصار ـ
وعند التوسع في العمل التجريبي لدينا الآن نُقدم لعملِ ذات التجربة بإضافة أدوات جديدة كما في الشكل (2)
وفي هذا الشكل نرى الكرة المنظورة هنا ليست حقيقية وإنما هي صورة منعكسة على مرآة من المادة الحقيقية ( الكرة الحقيقية ) . وبالتالي فإن العين هنا لا تبصر الكرة ! ، وإنما هي تبصر صورتها وذلك بسببِ أنها لم تَنظُر للكرة الحقيقية ، وأنماهي تنظر لانعكاس صورتها على سطح المرآة ، وبالتالي فإن الصورة الموجودة في المرآةِ غير حقيقية ، وبهذا تكون الكرة الحقيقيةِ غير مُبصَرة .
ولو طبقنا هذا الكلام العلمي المثبت بتجارب على كلمات السيد المسيح التي ذُكرت في ( يو 16 : 16 ) حيث قال : " بعد قليل لا تبصرونني " نجد التطبيق في هذا الشكل المُتصورُ أمامنا في الرسم التوضيحي التالي رقم
(3)


وذلك مع تبديل الأدوات بتصور بسيط للأشخاص في الموقف الحقيقي . فالعين المجردة في التجربة يكون نظيرها في الواقع جمع من التلاميذ أو الناس الموجودين والموجه إليهم الخطاب على حدٍ سواء .
فالسيد المسيح متمثل أمام الحضور جسدٌ وروح ، له مجال إبصار لمن حوله ، فالكل يُبصرهُ إن كان مُبصِراً ، إذاً فعلى أساس قاعداتنا الأولى ، أن من ينظر للسيد المسيح يبصره ، فمن ثم تنعكس صورة السيد المسيح على أعين من نظر من التلاميذ والناس الحضور ـ التلاميذ المؤمنين خصيصاً ـ إذ كانوا هم المقصودين في الكلام ، ولهم وجِه الخطاب .
إذن فقد انعكست صورة السيد المسيح على أعينهم فأبصروه فقد كانوا له ناظرين ، وقد كان موجداً بالفعل في هذا الوقت حينئذٍ ، مما كان مُلحّاً أن يقول ويصف ما سيحدث من اختلاف آتٍ ، فاصلاً بينه وبين المعتاد عليه إذ كان يتكلم ، فقال " بعد قليل " وهذه الكلمة تعكس أيضاً اقتراب الموعد ، فماذا صار بعد قليل ؟ . . هيا لنرى :ـ

في هذا الشكل (4) تصور بسيط لحادثة الصلب الشهيرة .
وفيه نرى الصليب معلقاً عليه المصلوب ينظره المتواجدون الحضور للموقف وشهود العيان .
عندما نطبق هذا الحدث العظيم كموقف كما طبقنا الموقف السابق في صورة تجريبية اعتماداً على تعريفنا للإبصار ،
نجد أنه مع هذا التعريف ، لن يكتمل حتى الآن ما نرمي إليه فيما قال سيدنا يسوع المسيح ، إذ أنه حين قال : " بعد قليل لا تبصرونني " ( بالطبع كان قاصداً هذا الكلام ، فلم يقله اعتباطاً ) بمعنى أنه علينا معاينة كلماته بالعقل حتى لا نقع في مجاهل الجهل وتعريض كلمات السيد للقيل والقال على حساب صحتها علمياً ومنطقياً لكل فاهم وعاقل .
ــ يعتقد المنتقدون :
" إنه إذا كان المسيح هو المصلوب في الشكل السابق (4) فإن هذا الشكل (4) ينفي صحة المقولة الكتابية في ( يو 16 : 16 ) التي هي على لسان السيد المسيح ويقول فيها " بعد قليل لا تبصرونني " إذ أن هذا القليل لم يتحقق حتى الآن حسب نظرية وقانون الإبصار ، فالسيد المسيح مازال مُبصراً حتى اللحظة حينئذ في شكل (4) . ولكن رغم ذلك ، لنأخذ على عاتقنا هذا الاعتقاد إلى منتهاه ولنرى نتائجه إلى ما ستوصلنا . "

ــ صحة الاعتقاد المسيحي

( المسيح على الصليب ) إذاً فالمقولة في ( يو 16 : 16 ) " بعد قليل لا تبصرونني " حريٌ بنا أن نقول أنها لم تُحقق حتى الآن ! إذاً فلننتقل لوقتٍ آخر تالٍ لهذا الوقت . والوقت التالي لعملية الصلب هو ما حدث بُعيد الصلب ، إذ أنزلت الجثة ـ الجسم المصلوب ـ من على الصليب ( ميتاً ) ، في الشكل التالي يتضح نفس الشئ في الشكلين (1) و (3) حيث التجربة والتطبيق . وهنا في الشكل (5) نرى نفس التجربة تتكرر لكن مع موقف جديد .

وفي هذا الشكل يُرى الجسم الذي كان على الصليب الذي هو ( جسد يسوع المسيح ) نجده مسجىً ميتاً مرئياً ومنظوراً مُبصَراً، وبذلك فالمقولة موضوع كلامنا لم تتحقق حتى اللحظة أيضاً ، فقد قال السيد المسيح " بعد قليل لا تبصرونني " وقد تساءل التلاميذ في أنفسهم عن هذا القليل ، وها نحن مستمرون نبحث في ماهية هذا القليل ما هو ؟
إذ لم يكن هذا القليل كما عاينا من خلال التجارب العلمية المجراة ، الوقت فيما بين انطلاق المقولة وحدوث الصلب بالفعل .
كما أنه كذلك لم يكن هذا القليل هو الوقت الممتد حتى إنزال الجسد المصلوب من على الخشبة .
بذلك فنحن مستمرون في بحثنا هذا لملاقاة سبيلاً موصلاً لمعرفة هذا القليل .
فَبِعَدَمْ تحقق المقولة في أي من تلك الحوادث لدينا عَياناً ، إذاً فلننطلق الآن إلى موقف تالٍ لهذا الحدث العظيم ، والذي قد يكون الفيصل في فكر البعض ، فكل الكلام سوف يدور حوله الآن . إنه القبر !

ــ في القبر

بعد دخول الجسد المصلوب في القبر نسأل أنفسنا سؤال هنا وهو : بعد دخول المصلوب الميت القبر ، هل يتحقق بقبره القول " بعد قليل لا تبصرونني " ( يو 16 : 16 ) وذلك لأنه ذهب عن العيان لوراء الجدران في القبر ؟
وقبل أن نجيب بأي جواب جازم في ذلك وحتى لا نكون مبالغين متلمسين الأمور بعواطفنا ، نود فقط ملاحظة شئ بالغ الأهمية هنا وهو وجوب التفرقة بين التجربة رقم (2) في بداية موضوعنا ووضع الواقع حينئذ ، المُتصَوَر بهذا الشكل التالي رقم (6) .

فالشكل الأول المقصود (2) كانت الكرة لها صورة غير حقيقية منعكسة في المرآة . أما هنا في الشكل (6) فالجسد الحقيقي منعزل وراء حائل ، جدار ، وليس منعكساً على شئ وبالتالي فبما أن الميت قبل دفنه يكون منظوراً بالإبصار ، وبعد أن يُقبر يكون مُعرضا لمن يبصره من الناس ـ إن أرادوا إبصارهُ ـ أو لا يبصروه فذلك يجعل المقولة في مضمار انعدام توافقها حتى الآن مع الحدث الحصل وهو دخول الجسد للقبر .
فلو تصورنا معاً على سبيل المثال في تجربةِ هذا الشكل (7) أن الكرة تقبع خلف حائل . فإن الكرة لن تُنظر بطبيعة الحال وبالتالي لن تُبصَر من ناظرتها المواجهة لها في الشكل التوضيحي وهي العين .
ولكن هل الكرة هنا معرضة في هذه التجربة لأن تكون منظورة مُبصرة من ناظرين آخرين غير العين الناظرة في الشكل أمامنا ؟ بطبيعة الحال سيكون الجواب بنعم ، حتى أن العين المحجوبة عنها الكرة لو أرادت إبصار هذه الكرة لما صعُبَ عليها ذلك ولكنه لديها بالأمر اليسير . ثم أنه إذا أزلنا الحائل ، فإن العين ستبصر بشكل مباشر الكرة الحقيقية التي نريدها ، تماماً كما في الشكل (1) في بدء موضوعنا هذا . إذاً ففي الشكل (7) الكرة لم تكن غير مُبصَرة من ذاتها ، ولكن البصر أحيل عنها بسبب وجود عائق لعدم مباشرة النظر سببه الحائل ، ولكنه لم يستحيل . والدليل أننا لو أزلنا الحائل الذي في الشكل (7) سنكون امام الشكل (1) أي اننا سنبصر الكرة مباشرة . وكذلك في القبر ، فالميت قبل دفنه كان منظوراً من الناس ، وبعد دفنه هو أيضا مرئي !!! كيف ؟ نقول بالرجوع إلى التجارب السابقة مباشرة ، ندرك كيفية حدوث ذلك . فلو فُتح القبر عليه لوجد مسجى ميتاً ولأبصرناه .
إذاً فكما أن المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " ( يو 16 : 16 ) لا تتماشى مع المصلوب والجثة للميت ، فهي كذلك لا تتماشى مع المقبور أيضاً ، لأنه ـ أي المدفون ـ لم يُعَرض لمن يبصره في مدفنه أو قبره ، كي تطلق على تلك الحال " لا تبصرونني " بإطلاق لفظي و بتعقيب .. " ثم بعد قليل أيضاً ترونني " وهو التعقيب الذي يؤكد على عدم استحالة إمكانية إبصار الميت في القبر ، إذ أن المقولة توحي باختفاءِ ذاتي وليس اختباء ، فكما في التجربة (7) , كان القبر هو بمثابة الحائل الذي يحجب ورائه الكرة . فإن الجسد في القبر كمادة تكون معرضة للإبصار , ولكن لانحجازها وراء جدران القبر فقط هو الذي حال بين الإبصار العيني وبين تلك المادة .
وكما أسلفنا فإن المقبور لم يُعرض لمن يبصره في مدفنه ولو صار لأُبصِر ، فهذا ما أكدته بعدُ كلمات السيد التالية " ثم بعد قليل أيضاً ترونني " أي أنكم بعد قليل سترغمون على عدم المقدرة في إبصاري ثم بعد قليل أيضاً سأظهر لكم ويكون متاحاً لكم أن ترونني .

ــ افتراض اختفاء الجسد في القبر


لو افترضنا ( اختفاء الجسد في القبر ) كما في الشكل (8) فهل تنطبق عليه المقولة ـ موضوع البحث ـ المذكورة في
( يو 16 : 16 ) ؟
بالكلام السابق المرفق بالتجارب مع الكلام التالي أيضاً نستطيع أن نقول " لا " ، لا تنطبق المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " مع ( اختفاء الجسد في القبر ) أو ( القبر الفارغ ) . . ولكن لماذا نقول هذا الكلام ؟ نقول هذا الكلام ، لأنه قبل اختفاء المادة ـ أي الجثة ـ كانت منظورة للعيان ، واختفاؤها وراء جدران قبر لم يكن اختفاءً بقدر ما كان اختباءً أي انحجاز .
وإذا افترضنا التلاشي بصورة غير طبيعية ( إعجازية ) داخل القبر بحيث يصير القبر فارغاً ، فهذا أيضاً لا يطابق المقولة لأن اختفاء المادة سبقها وجود حائل حال بين الإبصار مع عدم استحالته والمادة . فلم يَفرِض الاختفاء ذاته كعملٍ إعجازي قبل أن يُفرض عليه الحائل الحجري للقبر . فإنه ليس للمعجزة معنى إن لم تكن أمام أناس يعجزون عن تفسيرها .
ذلك وأن الجسد لم يختف داخل القبر أصلاً إلا أن هذا ما كان إلا محض افتراض بأنه ( حتى لو اختفى الجسد ) لكنه واقعياً لم يختف ، بل قام قياماً وخرج من القبر ( حسب الإنجيل ) .
إن المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " على لسان السيد المسيح في ( يو 16 : 16 ) بالكتاب المقدس ، لم يكن مقصدها أبداً أنه سيُقبر فيكون صعباً على التلاميذ وجماعة المؤمنين إبصاره ، بالطبع لا لأنه وَضَّحَ لهم أنهم لا يمكنهم أن يبصروه بأي حال من الأحوال لأنه سوف يحدثُ حدثٌ ما ! فبالتالي هو لم يُقبر ، لم يختبئ ، لم يبقى ! نعم [ لم يُقبر ، لم يختبئ ، لم يبقى ] لأنه في كل تلك الحالات هو معرض تعريضاً مباشراً أو غير مباشر لمن يبصره ، في حين أن قولته " بعد قليل لا تبصرونني " كانت عمومية واضحة باستحالة إبصاره حتى لمن حاول ذلك .
من ثَم نعود لسؤالنا الذي تركناه دون جواب شافٍ ، ونلخصه ، وقبل أن نجيب مباشرة فلنذكر بالسؤال أولاً . ( بعد دخول الجسد المصلوب القبر ميتاً ، هل تتحقق فيه المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " ؟ ) وهنا ومع السابق ذكره ـ بالعمل التجريبي ـ يكون الجواب لا ، فالجسد لم يختفِ اختفاءاً ، ولكنه حُجز فقط وراء حائل وهو معرض للإبصار من أي جهةٍ اخرى وحتى جهة المؤمنين والتلاميذ الموجه لهم الخطاب ذلك إن أرادوا .
هل نحن أمام معضلة ولغز طرحه السيد المسيح ولم يوضحه ؟ فإنه ومع كل تلك المواقف والتجارب لم يكن أي تحقيق للقول المذكور في ( يو 16 : 16 ) فماذا إذاً وقد صعد المسيح ؟! أيكون صعوده هو ذلك ؟ أي بين قول السيد المسيح قولته وبين الصعود هوذا القليل الذي أخبر عنه ؟ لا ، فإن السيد المسيح هو مجيب عن ذلك إذ يقول بغير المباشرة في الجواب " الحق الحق أقول لكم : إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح . أنتم ستحزنون " ( يو 16 : 20 ) وما كان وقت الصعود إلا فرحة من بعد حزن ، نعم كان فرحٌ وانتظار الروح القدس كما أخبر ، فإنه هاهنا يشير لما هو قادم حينئذٍ وقد قَرُبَ قدومه ، إنه ينبه لموقف فيه بكاء وعويل ونواح ودموع ، وفرح وشماتة الأعداء ، إنه ينبه للحدث العظيم " الصلب " ! وفي هذا الميقات تتحقق الكلمات التي نبس بها فاه سيدنا المبارك يسوع المسيح .
وبهذا تكون العودة التلقائية للشكل رقم (2) في تحقيق هذه المقولة ويمكن إعادة عرضه كي يتنسنى للجميع مراجعته .

في هذا الشكل رقم (2) نجد تحقيقاً للمقولة " بعد قليل لاتبصرونني " ( يو 16 : 16 ) ، ففيه انعكس شكل الكرة على المرآة بصورةٍ غير حقيقية ولكنها مطابقة ومشابهة لها في الشكل ، فانتبهت العين لها دون الحقيقية . وبالتالي فالعين لم تُبصِر الكرة الحقيقية المقصودة ـ الجسم المادي الحقيقي ـ ولكنها أبصرت شكلاً مشابهاً ومتطابقاً في الشكل مع الأصل ، إذاً فالأصل لم يُنظر حينئذٍ ، فبالتالي لم يُبصر . وبذلك تكون قد تحققت مقولة " بعد قليل لاتبصرونني " على الأقل تجريبياً حتى الآن .
كانت تلك التجربة التي صورناها في الشكل (2) حيث الكرة وصورتها المنعكسة على المرآة كتحول للرؤية الحقيقية للكرة في الشكل رقم (1) . ولقد قابلنا الشكل (1) تجريبياً بالشكل رقم (3) في تصورنا الواقعي للموقف حينها في بداية المقال [ ثم مر الوقت ]
" القليل "
وكان منا أن قمنا برسم الشكل رقم (2) وهو الخاص بانعكاس صورة الكرة على المرآة بحيث أُبصرت صورة غير حقيقية للكرة الأصل ، ولكننا لم نقابل الشكل التجريبي (2) برسمٍ مقابل مُتَصوِِرِاً للواقع في بدء الموضوع وذلك لتجنب التشويش على القارئ بِحُكمِنا المسبق ، وبالنتيجة البارزة لدينا والمتأسسة عليها موضوعية هذا البحث . فقد اكتفينا فقط بوضع شرح لنتيجة التجربة ذات الأدوات في الشكل (2) ، واستمرينا آخذين في الاعتبار صحة جميع الفرضيات الشائعة التي تبنيناها مؤقتاً وهي (( أن الذي على الصليب هو سيدنا يسوع المسيح )) و ( الاختفاء في القبر أو القبر الفارغ ) وذلك كاعتقادٍ عام . ورغم ذلك في النهاية لم يوافق أي موقف من تلكُما المواقف ما عَنيه سيدنا يسوع المسيح في كلماته .
والآن وجب علينا التصوير ولو بشكل مبسط واقعية الرؤية غير الحقيقية للأشياء والمواد كما في الشكل (2) والذي يبين أن شيئاً غير الأصل هو الذي كان مُبصراً حينئذ ، ولكنه أدى إلى لبس بسبب مطابقته الشديدة ومشابهته للأصل . فها هنا التجربة والواقع والقول في كتابنا الإنجيل المقدس يؤكدا على كل ذلك .
وأمامنا الآن تطبيق التجربة محل تحقيق الشكل (2) في واقع مُتصور في الشكل رقم (9) ليكتمل لدينا التصور النهائي فيما هو هذا القليل من خلال التصور الأقرب إلى الصحة لما قد ذٌكر في ( يوحنا 16 : 16 ) كتاب العهد الجديد .
لقد كان ذلك القليل الذي ذُكر على لسان السيد يسوع المسيح هو تلك الفترة الزمنية المحصورة فيما بين قول السيد المسيح مقولته هذه وحتى الإمساك بالشخص الذي صُلب وبمجرد اعتقاله ، وبما أن المصلوب كان منظوراً ومرئياً فمبصراً ، فطبيعي أن يكون قائل المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " وهو سيدنا يسوع المسيح بمنأى عن الصليب نهائياً في ذلك الوقت . إذاً فالمقولة " بعد قليل لا تبصرونني " كان المقصد الحقيقي لها أنهم ـ أي التلاميذ ـ لن يستطيعوا أن يبصروه ساعتها ولكنهم ربما سيرون شيئاً آخر بديل أو شبيه أو ما شابه ذلك ، المهم أنهم لن يبصرونه شخصياً دماً وروح على السواء .
وبالتالي يكون الذي عُلق على الصليب صلباً هو ليس بكل تأكيد علمي ومنطقي مبرهن السيد المسيح ، فبتجارب أدت إلى انه ليس المصلوب أو المعلق على خشبة الصليب هو المسيح حقيقةً ، ولكنه هو شخص آخر بديل ، إن رفضت أخي هذا الكلام ، فأعد قراءته فلعل الكلمات عليك قد التبست فمن رفض هذا الكلام فإنما أحكم على عقلهِ غلقهُ ووشحه الغطاء أو أغاصه في لُجةِ الأهواء وما رضى له إلا إباء رفضٍ وكبرياء أمام حُكم رب وإله السماء .
إن من رفض ذلك الكلام الذي سبق ، فإنما هو يضع كلمات السيد يسوع المسيح في مجال شك ، هل هو قائلها ؟!! أم أنها ما هي إلا وضع واضع ولم ترتقِ لمرتبة الوحي ؟! ..
وإنْ وافق الموافقِ هذا الكلام المُبنىَ علمياً ، فلقد وافق هو بذلك على نبوءة سماوية وعن إلهاماتٍ إلهية ووحي على لسان السيد يسوع المسيح وافقت ما يرنو إليه الدين والمنطق العلمي الصحيح .

إن هذا أيها الأخوة القراء ما يقوله المسيح وفي آيات أخرى كُثر سيكون لنا فسيح من الوقت لإبراز مدى أهمية النظر بعينٍ فاحصة لها وبذهنٍ متقدٍ للاستعلام عن مدلول الكلام من قولها ، فما اختلفت كلمات الربِ العلي فيما أنزله ، فيما صفيَ من ملوثات هذا العالم أن تتناوله . فحق هو كلام الرب الإله وصدقت رسله بتبليغها كلماته العليا ذات القداسة والطهر في الدنيا .
وإن نفوساً أبت إلا عناداً وعقولاً أبت إلا انغلاقاً وسولت لها أنفسها أموراً أن تشيع في الدين أمراً ما نصه الكتاب ولا كان لها مكاناً في لب عاقل عند ذوي الألباب ، فلو حَكّموا العقول وتدبروا القول لكان خيراً لهم وإنما يتذكر أولوا الألباب ، أفلا يتدبرون ، فمنطقوا أحقاء ذهنكم صاحيين .

الثلاثاء، فبراير 17، 2009

الحيرة بدء المسيرة ( في المعمودية )

لقد دخل في المضمار المسيحي اعتقادي لدرجة أني فكرت في نفسي أن أعتمد بنفسي وبذلك قد أكون نلت الروح القدس التي ينالها المؤمن بعد خروجه من ماء الاعتماد .
ولكن .. ! وفي أثناء إقدامي على ذلك الفعل ( وبتقدمي ) أميالا شاسعة إلى ( الأمام ) في ذلك الأمر ، تراجعت همتي خلف بأميالٍ مضاعفةْ من الأميال التي قطعتها في تصوري في التقدم ذاك .
في الواقع كان إقدامي على فعل المعمودية لذاتي دون اللجوء إلى أحدٍ منطلقة من لمحاتِ فكرٍ دينية إسلامية لازالت باقية في العقل رغم التأمل في حياة رحيبة في المسيحية العظيمة .
في ذلك الحين ، خالجني الصراع بين الإمكان واللا إمكان . في أن يقوم بتعميدي إنسان ، أو أكون مني إلى رب الأكوان ، دون وسيط بينيِ بيننا ، وحينما راضاني هذا التفكر ، وأوماتُ إليه بإيمان ، لا يُرضيَّ الشيطان ، فجاء بقدرِ قوةٍ على ضعفي ، إذ لم أزل حديث العهد بذا العهد الذي فيه ملكوت السماوات بالمجان . فقال لي من جنبات النفس التي في ذاتي ، وإني لأدريها بأمارات السوء فيها سيئة بسيئاتي وخطيئاتي ، ولكني استمعت إليه ، فالسمع من حواسي وهو من خواص سماتي ، ولا من أحدٍ يستطيع أن يكون له من سمعه بُد ، ولا أن يضع لما يسمعه حد .
فقال شيطاني : " ومن أنت أيها العاص حتى يكون لك المناص من دنسك في بصرك وفكرك وذكرك ، وكل عضو في جسمك ، ورغم ذا الرجس فيك تتعالى ، فترنو بأن تعمد نفسَك بنفسِك ، أفق ، فإن القديسين لأجل ذلك وجدوا ، فإن لم يكن منك إليهم اللجوء ، فما تمسه من ماء ، قد سبقك فيه السوء ، فتصير من سوء إلى سوء فمُسيئ " . في ذلك الكلام آتاني الشيطان في شكل الملائكِ بالإلهام مرسلين ، فهاجت بيَّ الأفكار ، فنَهَدتُ آه ، إنه على حقٍ فيما أثار ، ونَبَهتُ إلى ما في الكتاب من آثار ، وعلمت أنه يجب عليّ الإيثار ، بتفضيل القديسين الأبرار عليَّ فلا بد أن أقتنع بفضلهم ، وحلهم وأمرهم ، في ذلك الأمر لديّ ، ولا بد في ذا الأمر إلا ما يأمرون وما يفعلون ، فإذا كان من قبلُ المسيح قد شُرطَ كي تتم قداسته ، وأن تليق لناسوتهِ ألوهيته ، أن يلجأ للمعمدان يوحنا كي يلجه بماء الأردنِ ، فذا شرطٌ مطلوب ، كي يتم به كل برٍ محسوب .

وبعد هياج الأفكار ، التي أخذت ذلك الكلام دليلاً وسبيلاً ، استراحت بديهتي برهة ، وشكرت الرب على نعمائه بفرحة .
إلا أني وقبل إقدامي إلى المثول تحت أيدِ قديس مبررٍ وقور الهيبة والاحترام ، رجعت إلى ما قد فكرت فيه ، مِن ذاك الكلام ، وقلت في نفسي : " إن كنت أنا الصغير الضئيل وفي عالم الملكوت والأفلاك قليل ، وسأرضخُ بمُكثٍ خاضعاً تحت أيدٍ لقديس من الرهبان لاعتمادي ، فذلك أمرٌ اعتيادي ، ولكن ، ماهو ليس بعادي وقد استلهمه لُبي وفؤادي ، هو أن كيف يكون من هو الأعظم في ملكوت السماوات ، بين ايدِ كائناً ما كان ، وقد كان إنسان ، فنهرت نفسي ، وقلت : " لقد كان العظيم وقتئذٍ إنساناً ، فلا بد له لذا الفعل من إنسان ، فانتهرت ، ولكن سيل أفكاري المتجدد سالت ، وبراكين حالي المتقدة انفجرت ، وحالت بيني وبين الاعتمادِ في الحال ، فلقد غُرس تساؤلُ ببروز سؤال في عقلي ، إنني و أنا القليل الضئيل الضال حتى الآن عن ملكوت السماوات ، ولأتقدس بالروح القدسية المباركة ، وجب عليَّ مثولي لمن هو متقدسٌ مبرر من خطاياه ، وهو بذلك أحسبه كبير في ملكوت السماوات إذ اكتمل إيمانه ، ولكن السؤال المؤرق لديّ : ماذا كان المسيح وقتئذٍ قبل الاعتماد ؟ وقبيل الإتيان في لجة الأردن ، على أيدِ من هو أقل مكانة من عظيم الملكوت المسيح ، وأن المعمدان لم يعتمد على أيدِ إنسان ولم يعمده شئ كان ، فلم يذكر التاريخ ولا حتى الكتاب المعطى إلينا من الآب اعتمادا للمعمدان ! ، لا من سماء ، ولا قام بذا العمل أيٌ من املاك الأكوان ولا أي إنسان . فلا كائناً عمد المعمدان ولا عمد ذاته وهو الإنسان ، ورغم هذا ، كان جديرا به أن يقوم بتعميد الأعظم وقتئذٍ ! .
بعد هذا كله ، أفلا أكون جديرا بتعميد نفسي ؟! أفلا يكون لكل إنسان جدارته لتعميد نفسه دون وساطة ، مهما كانت قدسيتها ، بين الآب وعياله ؟

بمن أقتدي ؟! ، وقد ذوبتني نار حيرتي حرقة ، فبينما المعمدان لم يلق اعتماداً من أحدٍِ كان ، وهو الإنسان ، مطلق الإنسانية ، أرى المسيح العظيم ، آتيا ، مرتحلا إليه من الجليل ، إلى الأردنِ ، كي يولجه المعمدان ماء نهره ، لإصلَ لحل أمري الذي صَعُب ، وأقول سأقتفي عمل المسيح وأثره ، وأمتثل لأيدِ إنسان ليعمدني صغيرا كان أم كبيراً ، فقط أحتاط أن يكون مؤهلا ومبرراً بقدسية . هكذا أكون قد انجيت نفسي . إلا أنه لا يسكت تفكيري ، فقد قال فيما قد قال المسيح " فتشوا الكتب " وإني لفتشتها ، حتى انتوت ذاتي للمسير ، فيما تواتي القيام به ، في العالم البهي الآتي . إلا أن الظاهر ان شيطاني يابى إلا أن يقيم علىَّ التجارب ، ويصر على أن يحارب ، ولا أدري لماذا يغمرني ويغرقني بآيات الإنجيل ، سيلا ، حين أنوي القيام بعمل من الأعمال في عالم المسيحية ؟ فلما أخلُص من مسألة ينهلني من نبع لا ينضُب من التفكير ، وإعادة البحث ، وفتح الكتب والكتاب ، فلما أقنعتُ نفسي بالمثول لقديسٍ يعمدني ، أجد المعمدان يقول : أن الآتي مشيراً للمسيح ، سيعمدنا نحن بالروح القدس ونار ! في غير موضع من بشارات الرسل الأبرار ، أفليس الماء او ما يضاف عرفناه أداة التعميد ؟ فلماذا الروح القدس والنار ؟ ألعلهما التأييد ، والتوبة والغفران ، بعد احتراقنا بالخطية !؟ كما قيل في لوقا 3 : 3 ؟ ، أوَتكفي كلمات السيد
المسيح كارزاً في إنجيل مرقس 1 : 15 " قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل " أفيكفي ذلك للدخول للمسيحية دون المثول لإذن بشر ؟ أوَيكفي عدم اعتماد الرسل لأقتدي بهم ؟ أم يكفي اعتماد القديس بولس الرسول بذاته !!!
كيف يكون العالم الذي كنت أظنه أرحب ، قد اختلف فيه عقلي أشتاتاً ؟ كيف أستريح وأنه بيني وبين أبانا الذي في السماواتِ وسائطٍ ومسافاتٍ وأوقاتاً وإذنُ من قد لا يرضىَ ؟ .
إنه وفي مراحلٍ خمس ، على مدى سنوات قلائل ، عرفت معنى ان اكون مسيحياً ، عرفت الخلاص وما فيه ، ارتدت الكنائس وغصت في الكتاب مفتشاً فيما يُظهرهُ وما يخفيه ، عرفت من يتلقى ومن يُلقي ومن يُحسب على الدين فرد ونئيت بنفسي عنه ، تدبرت وتأملت وركزت مع الله كل تركيز ، وجائت نقطة وجب فيها اعتمادي أمام ذاتي ، فوجدت من يقول " يجب إخبار راعي الكنيسة للقبول "! ففاضت تفكراتي بكيف إذني على الدخول لربي ؟ وفوجئت برفض عاصف مني وحكم ناصف للوقوف على أمري هذا ، ورجعت من حيث كنت ، يقظت فقد كنت نائما في حلم ( هو جميل ) ولكني عندما استيقظت قائماً وجدت الحلو سماً معسولاً ، كابوساً من وبيل ، فقلت داعٍ ربي " اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ، حامداً إياه " الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة ".

الثلاثاء، أكتوبر 14، 2008

المعمودية 3

في مقالين سابقين حول هذه القضية افترضنا في كل منهما فرضية سرنا على أساسها المأخوذ من العهد الجديد بالمباشرة ، فكانت أول فرضية لنا في ذلك الإطار أن قد قلنا بأنيوحنا المعمدان قد لقي تعميدا قبل أن يوجد في دنيانا تلك ، حيث قيل عنه " لانه يكون عظيما امام الرب و خمرا و مسكرا لا يشرب و من بطن امه يمتلئ من الروح القدس "لوقا ( 1 : 15 ) وبذلك فهو غير محتاج إلى اعتماد من أحد ، إذ قد نال ما يثعتمد الإنسان لأجله أي نيل الروح القدس . وفي فرضيتنا التالية بالمقال الثاني بذلك المضمار قلنا لعله ملاك من الله أيضا على أساس مباشر من العهد الجديد إذ قيل " فان هذا هو الذي كتب عنه ها انا ارسل امام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك " متى ( 11 : 10 ) فكان هذا التهيئ من هذا الملاك الرباني أن يقوم بمهمات عديدة وبهذه الصفة الملائكية يكون يوحنا المعمدان غير محتاج لمن يعمده إذ انه مطهر بطبيعته ولا يحتاج للتطهُر بعد . ذلك ما قد أثرناه وتكلمنا فيه وخلصنا منه في كل مقال أنه :ـ بما أن يسوع المسيح محتاج لمن يهيئه باعتماد لنيل روح قدسية ليكون إلهاً مكتملا ناسوتا مندمجا بلا انفصال بلاهوت فهو بذلك بَعُد عن الصفة الألوهية في ذاته أو صفاته أو خلقه أو تكوينه أو تعيينه ، والسبب ليس قولا منا بالطبع ولكنه على الأسس التي استقيناها من الكتاب المقدس نقلا من نص معترف به في العقيدة المسيحية ككل .
أما في هذا المقال فقد رأيت استكمال وضع الفرضيات الممكنة حول اعتماد يوحنا المعمدان لأنه على اساس هذا الاعتماد ( الفعلي أو الروحاني ) يتبين لنا بالروابط العلاقية أساس الصفة الحقة للسيد المسيح ، هل هي ألوهية مطلقة ، أم ألوهية عارضة ، أم ما هي إلا نبوة تبشيرية ، أم تشريعية ، أم هو مجرد إنسان عادي صالح اعتمد على أيد المعمدان ككل من اعتمد من قبل من بني إسرائيل ؟ وأيضا من تلك الروابط العلاقية نكشف ما لقدسية الاعتماد من شرع ما زال مأخوذا به ، ومنه ومن شخصية المعمدان أيضا نتوصل لطبيعة يسوع المسيح
الحقيقية .
في هذا المقال سنفترض افتراضا جديدا مأخوذا كذلك أيضا من نصوص الكتاب المقدس ، فقد أخذنا فرضية أن يوحنا المعمدان
ماهو إلا إنسان عادي لم تخلط إنسانيته الخَلقية في وجوده شيئا ما من غرابة تفسد البشرية أو فكرة الإنسانية فيه ، فما هو إلا قد نال شرفا بتقواه . عند هذا التصور نجد أن وظيفته وهي تعميد الناس أي تطهيرهم هي وظيفة عادية قد ينالها أي بشر يمتلك من مقومات التقوى ما يجعله في أعين الناس جديرا لفعل مثل ذلك الفعل ـ لجوء الناس إليه ثقةً فيه ـ فقد اكتسب هو ذلك لذلك ، فهو كإمام واعظ أو رجل صالح فيه حكمة مؤهلة لذلك .
مع تلك المقومات غير الغريبة على بشر من عامة الناس نرى أن الكتاب المقدس يذكر ذلك بلمحة سريعة لطيفة حيث يقول في لوقا ( 3 : 21 ) " و لما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع ايضا
" فمن هذا النص نستقي نقلا أن الذي عَمَدَ هو يوحنا المعمدان ابن النبي زكريا ، ومن ذلك نرى أن ما يوحنا إلا بشرا عاديا قد أنعم الله عليه بنعم ، فهو ليس بمَلَكٍ كما أسلفنا في مقال سابق كفرضية محتملة مؤسسة على نص ، فهو إنسان لا أكثر ولا أقل ، كعامة الناس بشرا طبيعيا ودليل ذلك هذا النص المقتبس لدينا في لوقا ( 3 : 21 ) قوله " و لما اعتمد جميع الشعب .. " فاعتماد جميع الشعب هنا أو بالحري جمع الحضور يعطي انطباعا واجبيا نحو الواجب العملي العام وفي انسيابية الأمر واعتياديته . إذا فلم يكن يوحنا المعمدان بذلك العمل العام مخصوصا ليسوع وتعميده خاصة ، ولكنه كان إنسانا بشرا عاديا ، أنبأه الله لخير الجميع .
ولما كان يوحنا المعمدان غير مختص بيسوع في تلك الحال ، يكون من ذلك يسوع المسيح في المقابل بشرا عاديا هو الآخر ولا ينتمي لمصاف الآلهة والسبب هو أنه تعرض لما يتعرض له البشر بواسطة بشر ، (( ولكننا قد علمنا مسبقا أن الاعتقاد المسيحي قائم على أن الله سبحانه قد تجسد بشرا طاهر غير مخطئ كي يتحمل عن البشر الخطائيين إثمهم ، ويكون ذبيحة فداء لهم ، نعم )) ، ولكن في تلك الحال فالمعمودية
التي ليسوع تفصل في ذلك ، أو بالأحرى نقول لا تحدد كيف يكون يسوع إلها بل وتبين واقع الأمر .
فواقعيا عندما نردد قولة القديس لوقا في ( 3 : 21 ) " و لما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع ايضا " فما الجازم هنا أن يسوعا بشرا غير مخطئ نزل ليفدي البشرية بدمه الطاهر ، وما الجازم كذلك أن كل البشر المعتمدين من قبل وحينئذ من يوحنا خطائيين بالكلية
؟ !
قد يرُد أحد المسيحيين ويقول : أن البشر بسلالتهم الممتدة لآدم قد نالوا من الخطيئة الأولى الأزلية للبشر ، أما يسوع فقد اجتنب هذه الخطيئة الممتدة للبشر بميلاد معجز ! ونقول هذا جواب جيد ، ولكنه سطحي عندما ننظر بعمق لنسب يسوع المسيح في إنجيل لوقا أيضا ـ الفقرة التالية للمعمودية في ذات الأصحاح ـ نرى أن تسلسل النسب يمتد وصولا إلى آدم ثم تنسب البنوة العمومية إلى الله أخيرا ، وذلك يدخلنا في دهليز آخر وهو أنه مادام آدم انتسب أخيرا ببنوة إلى الله ـ حسب سلسلة النسب في لوقا ـ فلا فرق إذا بين أفراد تكوين النسب الشريف الطاهر . فذلك معناه أنه واقعيا أن آدم لم يخطئ ، وإنما هي مشيئة الله غير المعيبة في تصرف آدم ، ( فالتالي في التواجد بعد الله هو الأولى في الاحتفاظ بالعهد ممن سواه ) ويسوع من نسل آدم كما ذكر لوقا ، فهو لم ينل خطيئة لأن آدم لم ينلها ولم يرتكبها ، وبالتالي أيضا لا تكون خطيئة على البشرية أصلا تستدع الفداء
.
وفي سلسلة نسب يسوعية أخرى ذكرها القديس متى في إنجيله انتهت فيها سلالة يسوع المسيح إلى النبي داود ولم يدعوا القديس متى بالإشارة إلى بنوة لله . فإذا فرضنا أن متى يقصد ذلك ـ يعرفه ولم يكتب لأنه معروف ـ يكون كلامنا هو ذات الكلام الذي قيل في النسب للقديس لوقا عن المسيح ، أما إن كان هذا النسب هو الأولى ، وفي الواقع لم يكن هناك وصولا إلى الذات الإلهية ، يكون كلامنا أن يسوع المسيح بشري السلالة خالصا ، حامل للخطيئة إن وجدت ، مساوي للبشر ومجموع الحضور للاعتماد من يوحنا المعمدان ، ولهذا قيل " ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا " لوقا ( 3 : 21 ) .

بذلك ، لقد أوضحت بشرية يوحنا المعمدان ، وأنه ليس إلا بشرا نبيا في تساوي يسوع المسيح معه في الطبيعة البشرية المخطئة المشرئبة للتطهر وانعدام احتماله لطبيعة أخرى لا ترتكب الخطأ .ثم تساوي يسوع مع جموع الشعب في إنسانيتهم ( ليس من وجهة النظر الفدائية بالتدخل الإلهي ) ، ولكن بواقعية الأمر وطبيعة الوجود . فإن كان الشعب قد اعتمد لخطيئة احدثها أو لنيل بركات قدسية طالما ارتقبها ، فما الداعي أن يقال على يسوع المسيح أكثر مما وجه للشعب وهو كلام ليس فيه ما يعيب .
أما وإن قيل أن اعتماد يسوع كان لاستلاله من جانبه الناسوتي الملتصق به من أمه مريم العذراء . وجد القائل لهذا الكلام ردا عليه في المقال السابق الذي فيه فرضُنا بملائكية يوحنا المعمدان ـ حسب العهد الجديد ـ .

الجمعة، يونيو 13، 2008

الصليب والمصلوب

عندما أقول صوت الإنجيل الحق فإني أستخلص من اعداد العهد الجديد آيات إنجيلية وبمطابقة تلك الآيات مع شيئين غاية في الأهمية هما المنطق والأعداد الموجودة فعليا الان في الكتاب المقدس الحالي ينتج ذلك الاستخلاص الذي بواسطته أهدف إلى الغاية القديمة من قول الآيات المنسية .
منذ عامين وأنا في معرض القاهرة الدولي للكتاب دخلت قاعة الكتاب المقدس فوُزع عليّ كتيبات عدة عن المسيحية وفي وسط هذه الكتيبات كان كتيب صغير رائع أنصح كل من أراد التنصر بقراءته وهو بعنوان ( المبادلة الإلهية الكبرى ) وعنوان فرعي أخر ( موت يسوع المسيح الفدائي على الصليب ) للقس الدكتور ديرك برنس
. قرأت الكتيب الرائع هذا أكثر من مرة لدقته الفعلية في وصف الحدث وظهوره بمظهر الحق النابع من حق وبعد تلك القراءات المتكررة بشكل جلب ليّ الصداع من إرهاق التفكير قمت راجعا لمصدري وفي رأسي تدور الآية { ولكن شبه لهم } وأنا أبحث لها عن إثباتٍ جازم من داخل الكتاب المقدس حتى وجدته بفضل الله .
إن محور ارتكاز هذا الكتيب الرائع يقوم على التحدث عن المبادلة وكيفية إتمامها وإرهاصاتها " كيف فدى المسيح نفسه صلبا ليخلص الناس .. " وفي المقابل كان محور ارتكازي أنا ردا على كلام القس الدكتور برنس مستخلصٌ من نبوءات واضحة لدى انبياء ماقبل المسيح وكلام يسوع المسيح نفسه وأساس المحور انني اعترفت بالصلب كحدث لكنني صرت أبحث عن المصلوب الفعلي ، فالصلب حدث واقع لا ينكره أبدا عاقل أما الشخص الذي صلب فهذا هو الذي فيه كلام .
يقول المسيحيون أن السيد المسيح هو الذي صُلب ولكن يستطيع أي قارئ لكتاب الإنجيل أن يشكك في ذلك الكلام بل ويخطأهُ من أساسه ولن أستلم هنا ما صار ليسوع قبيل حادثة الصلب وأثناءه ولكني سأوجه نفسي لمصير تلميذه الذي خذله ووشي به إلى أعدائه ذلك التلميذ المدعو ( يهوذا الاسخريوطي ) فمصير هذا الرجل في كتاب العهد الجديد متضارب جدا وليس محدد بشكل جازم حازم لثبوت هذا المصير حيث يذكر في ذلك متى في إنجيله " .. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا : لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم . فتشاورا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء ولهذا سمي الحقل حقل دم " ( متى 27 : 5 ـ 8 ) وسريعا وفي المقابل ذكر مصير ذات الشخص بشكل أخر بوحي من لوقا كاتب إنجيل لوقا وأعمال الرسل حيث قال " .. فإن هذا اقتنى حقلا من اجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها . وصار ذلك معلوما عند جميع سكان أورشليم حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما أي : حقل دم " ( أعمال الرسل 1 : 18 ـ 19 ) .
هذا التضارب ليس هو المشكل في ظني فالتضارب كثير فلنبحث إذا عن التوافق وذلك يتجلى في كلمات قالها السيد المسيح نفسه مخبرا بمصير هذا الشخص حيث قال " إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان . كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد " ( متى 26 : 24 ) وكذلك ذكر ( مرقس 14 : 21 ) وكذلك لوقا ذكر هذا ( لوقا 22 : 22 ) وهي أقوال متطابقة ، ثم يأتِ القديس يوحنا هنا مفسرا مفصلا كلماته توضح بعضها البعض حيث يقول في صلاة يسوع من أجل التلاميذ قبيل حادث الصلب وذلك على لسان السيد المسيح " حين كنتُ معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب " ( يوحنا 17 : 12 ) وعند ملاحظة الجملة " ولم يهلك منهم أحد " نعي تماما أنه لا يقصد الموت أو الميتة العادية أو حتى القتل الاعتراضي فلو كان قصد ذلك فلقد أخطأ التعبير ولكنه في الواقع قصد أنه لم يتعذب منهم أحد " إلا ابن الهلاك " أي ابن العذاب " ليتم الكتاب " ( يوحنا 17 : 12 ) ، وعندما نرجع للكتاب الذي قال ذلك نجده في سفر المزامير ( مزمور 7 : 14 ـ 17 ) " هوذا يتمخض بالإثم حمل تعبا وولد كذبا كرا جبا حفره فسقط في الحفرة التي صنع يرجع تعبه على راسه وعلى هامته يهبط ظلمه أحمد الرب حسب بره وأرنم لاسم الرب العلي " وهذا هو العقاب الذي ذُكر في الكتاب والذي قصده ووصفه بالهلاك السيد المسيح في صلاته .

ثم تأتِ النتيجة والتي يخبر عنها أيضا السيد المسيح بقوله في ( يوحنا 16 : 33 ) " قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام . في العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا : أنا قد غلبت العالم " وإرهاصات هذا الفوز وهذه الغلبة تتجلى في سفر المزامير أيضا حيث يقول ( المزمور 2 : 4 ) " الساكن في السماوات يضحك الرب يستهزئ بهم حينئذ يتكلم عليهم بغضبه ويرجفهم بغيظه " فهذا إذا تنبيئٌ بالحدث وإشارة إلى أن لا السيد يسوع المسيح هو الذي صُلب ولكن شبه لهم بدليل الاستهزاء الرباني .

الجمعة، أبريل 18، 2008

يسوع الناصري رجل 3 ( الحدث )

لقد كان الحدث الذي قيلت من خلاله تلك المقولة وعلى إثره كانت بهذا الوضوح الذي لا يشوبه لبس كان حدثا يمكن تصنيفه بأنه تمحيص لقلوب قوم مؤمنين وفرض الأمر الواقع ذلك الواقع الذي فُرض من خلال موضوع جيئ ليقره ويفسره من طرحه رغم عدم الحاجة فيه ليُفسر ولكن وكما سبق وأن قلنا أنه من باب ذَكّر أو ثَبّت أو أَحكم عقيدة كادت ان تفلت .
الحدث الذي ذكر في كتاب العهد الجديد هو حدث يمكن تفنيده وإثبات عدم صحته من جهاتٍ عديدة ويمكن الاطلاع على ذلك في الأصحاح الثاني من سفر أعمال الرسل العدد 1 حيث يحكي معجزة حلول الروح القدس في يوم الخمسين على شكل ألسنة من نار ، ولكن إذا فرضنا أن ماشابه ذلك حدث فعلا بشكل يقبله العقل فبالرجوع إلى مقولة القديس بطرس الرسول بأن قال " أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال : يسوع الناصري رجل " وكان بطرس حينئذ هو معقبا بشكل لا يقبل أي لبس في الاستقبال بأن ليس الفاعل لهذا الذي رأوه من شئ معجز الآن هو ليس بفعل يسوع الناصري لأنه رجل كما أنتم رجال فهو ليس بقادر لأن يفعل المعجزات ولكنها قدرة الله وإرادته .
وبهذا القول والتمييز لصفة يسوع الناصري بأنه رجل نجد أنه لا مجال لإمكان وصفه باي شكل أخر ، ولو كان إله كما يُدّعى لكان أدعى وألح في أن تذكر صفته الحقة في هذا الزمان والمكان القياسيين إضافة إلى ذلك الحدث المعجز .
ومن الناحية الأقنومية التي تقول بآب وابن وروح قدس فلقد دحضها بطرس الرسول في خطبته هذه وصَدَّقَ على كلامه باق التلاميذ ووثقه القديس لوقا وبدوره نشرها كما أسلفنا ، فبينما أطلق القديس بطرس الرسول العظة الأولى " ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص " ( أعمال الرسل 2 : 21 ) وفيها ميز الإله بوجوب التوجه إليه تضرعا من أجل الخلاص استطرد معقبا وماثل بين سائر الرجال ويسوع الناصري بانه رجل مثلهم وقال " أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال : يسوع الناصري رجل " وكأن لسان حاله يقرأ هذه الآية القرآنية الشهيرة التي اختتمت بها سورة الكهف {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110

الخميس، أبريل 17، 2008

يسوع الناصري رجل 2 ( المكان )

قلنا في المقال السابق واتفقنا أن لا تعارض على الإطلاق بين الأناجيل في المسيحية عند صفة يسوع المسيح إذ لما يصفه أحدهم بأنه يتعامل تعاملات البشر هناك فلا يعترض ذلك مع وصف آخر بأنه يفعل أفاعيل الآلهة هنا فقد قلنا أن الأناجيل تكمل بعضها البعض من وجهة النظر الأقنومية .
وقلت أيضا أن ذلك الكلام لا ينم بالضرورة عن إيمان إلا أنه في واقع الأمر هو فهم لطريقة اعتقادٍ ما وقد يقول البعض من المسيحين أنني ما دمت قد وصلتُ إلى هذه الغاية بأن فهمت تلك العقيدة وأن لا تعارض في كتبها فلما لا أكون معتنقا لها معتقدا بها ؟ وأقول هنا أن كلامي في هذه الأمور أنها أعمال بحثية علمية وليست بحثا عن الحقيقة كما يظن البعض .
ثم دخلت في صلب الموضوع الذي كان حول مقولة قالها العديد من التلاميذ بعد رفع السيد المسيح وحادثة الصلب والتي وثقها نصا القديس لوقا في سفره أعمال الرسل العدد 22 والتي تقول " يسوع الناصري رجل " وقد قلنا في مقالنا السابق أنه بالنظر إلى ثلاثة عناصر هي ( الزمان ، المكان ، الحدث ) نستنتج دحضا واضحا من عمق الفكر الإنجيلي لصُلب التركيبة الأقنومية وقد أخذنا عنصر الزمان بشئ من التفصيل المختزل واتفقنا أن ينفرد كل عنصر من العناصر التالية بمقال تجنبا للإطالة . والآن نحن أمام عنصر المكان لكشف وجه الخلاف الذي تفرزه تلك المقولة امام الفكر المسيحي كله .

قيلت المقولة التي تقول " يسوع الناصري رجل " في زمانٍ ليس ببعيد من حادثة الصلب الشهيرة ورفع يسوع المسيح إذ قيلت بعد خمسين يوما من ذلك وقد كان مكان التصريح بها مدينة أورشليم ، والآن وفي ذلك الزمان ـ آنذاك ـ قيل علنا " يسوع الناصري رجل " كما عُرف في نفس المكان ولنفس الشخوص تقريبا والجموع وأنه بهذه الصفة وليس بصفات غيرها وبهذا ارتفع القديس بطرس الرسول مخاطبا الناس وفي بداية خطبته الرائعة تلك نادى اليهود وقال " أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون ... " ثم دعى إلى العظة الأولى بعد استطراد وقال " ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص " ( أعمال الرسل 2 : 21 ) ثم نبه وقال " أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال " ثم صرح بـأن " يسوع الناصري رجل " وما الفرق بين أولئك الرجال والذين من بعدهم ذكرا وهذا الرجل ؟ لقد كان هذا المكان يجمع أولئك الرجال مع يسوع الذي عرف بأنه رجل ولم يعرف بسوى ذلك في هذا المكان صُرح بطبيعة يسوع بعد انعدام وجوده أرضا (( في ذات المكان )) إذا فذلك ماهو إلا تأكيدا على تلك الطبيعة البشرية ليسوع . وكما ان هذا المكان حوى كما قلنا سابقا العديد من الأجناس والأعراق كما حوى في حدوده التلاميذ وأتباعهم إذ أن هذا المكان بما حواه من أناس شتى سمعوا تلك الخطبة وتلك المقولة فيها ولو كان المسيح شيئا غير رجل حقا كشكل عقدي لما ترك الواعين والمدركين من التلاميذ هذه الفرصة المكانية الفذة إذ اجتمع فيها بوقت قياسي واحد الكثير من الناس الذين وبكل تأكيد سيكونوا اوعية تنضح بما تسمع كما نضح بدوره الفعال القديس لوقا بأن أرسل ذلك الكلام الذي أنشأه إلى الشخص الذي يُدعى ( ثاوفليس ) .
ونعود إلى الشكل الإقنومي وأقول أن التزام القديس بطرس الرسول بالتحدث عن صفة الناسوت هنا ليس لديها أي مبرر مقنع فالمعروف أن السيد المسيح كان في وجوده معروفا بأنه رجل جليلي أو ناصري إذاً وبعد مضي السيد المسيح هل كان فرضا على بطرس أو سواه أن يُعرف مُعرفا أصلا إلا إذا كان هذا المعرف آنذاك قد بدأ يشوب تعريفه شئ من إرهاصات الإنحراف العقدي أو الفكري وذلك قد يكون راجعا إلى ازدياد حدة المعجزات على مقياس التقبل العقلي للبشر
.
ما كان على بطرس الرسول في هذه الحالة الزمانية او المكانية على حد سواء إن كان المسيح حقا إله ، ماكان عليه إلا أن يقول بصورة تغلب وضوح النور أنه ( إله ) ولكنه وللسابق ذكره صرح بما كان هو يعتقده وما كان شائعا آنذاك . فيسوع الناصري رجل في اعتقادي الذي يؤكده صوت الإنجيل مُدعما بأقوال التلاميذ الأخيار في ذلك .


المعمودية 2 ( ملاك الرب )

قلنا في المقال الأول بصحة فرضية أن معمودية يوحنا أنها من السماء كانت رغم عدم وجود نص جازم لذلك إلا انه بالرجوع إلى ( لوقا 1 : 15 ) يكون ذلك كافيا لمعرفة أصل اعتماده حسب الاعتقاد المسيحي المستقى من العهد الجديد .
وقلنا كذلك أيضا أن تلك المعمودية الخاصة لم تنتفي فيها بشرية يوحنا فلم يقال بعدها أنه سوى بشر كإله أو حتى أقل بكثير كملاك مثلا ، إلا أن معمودية يسوع بيد يوحنا شككت فيما يثار حوله من دعوى الألوهية وألصقت به صفة الناسوت ليس إلا .
والآن وفي هذا المقال سوف نحيد قليلا عن فكرة المقال الأول ـ رغم صحة فرضيتها ـ حيث سنؤول إلى عدم أنسنة يوحنا المعمدان حيث نتصور وكأن المراد الإلهي هو أن يقوم شخص مقدس غير مدنس بتعميد ناسوت اللاهوت لتحل على ذلك الناسوت صفة القداسة باعتماده ، ليكون بالإمكان ذلك ؛ حيث لا روح قدس بلا اعتماد .

فإذا فرضنا أن يوحنا المعمدان هو ملاك من الله اعتمادا على ( مرقس 1 : 2 ) وأيضا استنتاجا من ( يوحنا 1 : 19 ـ 22 ) فلنفترض جدلا أن يوحنا ملاكا أرسل بالفعل لتعميد يسوع وذلك بما أنه ملاك مطهر مسبقا والطهارة تكوينه ، فإن يسوع بذلك قبل التعميد ناسوتا عاديا غير مرتبط جوهريا بلاهوت وذلك على أساس ( متى 3 : 16 ) وغيرها . فقد كان هذا دور الملاك ( يوحنا المعمدان ) ؛ أن يعمد إنسانا ليضفي عليه بأمر من الله صفة ما ، ولكن ماهذه الصفة التي تجعل الناسوت متحدا اتحادا اندماجيا بذات اللاهوت ؟ .. إن الاعتماد أضفى على شخص المسيح صفة روحية جديدة فبعدما كان ناسوتا عاديا أُهلَ بالاعتماد من الشخص المطهر ـ المناسب ـ ليستقبل الإلهامات الإلهية فيمكن في هذه الحال أن ننسب إليه أنه اكتسب صفة النبوة أو الرسولية لاستقبال الوحي الرباني فصار مرتبطا ارتباطا روحيا بربه الله ولكنه ارتباط غير جوهري . فالمعمودية أعطت قدسية ولم تعط ألوهية ؛لم تعطِ ألوهية لأن التطهر يحول الإنسان إلى طاهر أو صديق أو قديس أو نبي أو رسول وكل هذه المسميات في إطار إنساني محض بشري خالص . فلم يعط الاعتماد ألوهية للناسوت لأن التطهر كان سابقا عليه ، ولي بالمبالغة في الطهر يصبح المرء شيئا أخر مختلفا في جوهره ، فالروح القدس لم يأتِ إلا بعد مرحلة المعمودية .
عند اعتبار يوحنا المعمدان ملاكا رشح ككائن مطهر لمعمودية يسوع لإحلال عليه الروح القدس يكون بذلك يوحنا ليس فقط ممهدا لطريق يسوع أمامه ، بل يكون كواضع سر اللاهوت في شخص الناسوت أيضا ! .
إن ذلك الكلام لا يستقيم بل لايليق . ذلك مع القول بأن هل يضع الملاك سر الألوهية ويمسكها بيده أم يكون هو الناقل لسر النبوة ؟ فأي التصورين أفضل ليستقبله العقل في ذلك .

الأحد، مارس 30، 2008

المعمودية

من الاعتقاد المسيحي العام عرفنا جميعا أن ناسوت المسيح لا يمنعه أبدا من لاهوته فهو مهما فعل من فعلات إنسانية وظن البعض أنه إنسان ليس إلا فهو أيضا إلها غير أن التقبل البشري لمسألة اللاهوت مع الناسوت بإناء واحد يشرب كله ليست بالسهل المستساغ ولا يطيقها العقل البشري خاصة في عصورنا تلك إذ كان بالإمكان التقبل أكثر في العصور الأولى لهذا الأمر حيث كانت الوثنية تزعم هي الأخرى حلول اللاهوت في جسم دنيوي أخر .
إلا أن أمر المسيح يختلف عن هذا الزعم فبميلاده المعجز يعطي تقديما لما سيكون عما سيراه المسيحيون .
وبالنظر بقليل من التأمل إلى جل مسائل العقيدة المسيحية يُواجهُ هذا الاستلام للعقيدة بإحاطات متتابعة من الحصانة الفلسفية الخاصة فكلما أريد اختراقها بفكر عقلي ما تنجو من تلك الاختراقات فإذا لجأ أضداد المسيحية إلى القول مثلا بتدني الإله لبشر قيل أن ذلك البشر هو الإله بلا انفصال فلا يكون هناك تدني وأن ذات الإله هي ذاتها ذاك الإنسان دون ميز بهذا عن ذاك ولا غنى عنهما مجتمعان .
فهنا في هذه الهلامية الإلهية العجيبة في التصور رغم التجسيد المادي لايمكن بقليل من التأمل نقض هذا التوحد . إلا أنه بالتعمق في علاقات وردت في الكتاب المقدس نجد ان انتفاء الصلة بين الإله وهذا البشر ليس روحيا ولكن جوهريا بحيث يكونا واحدا ، هذا الانتفاء قد حدث ووضعنا على الحد الرفيع بين الأمرين أمر الإله وشكل البشر . فعندما نتكلم عن معمودية المسيح نجد ان المسألة طبيعية بالنسبة لناسوته إلا أن جميع الأمور الحادثة في هذه المسألة توضح انفصال ذلك الناسوت عن هذا اللاهوت .
فعندما ننظر إلى الفاعل وهو يوحنا المعمدان الذي لم يُتوصل إلى أصل اعتماده بشكل جازم إلا أن البعض يقول أنه من بطن امه امتلأ بالروح القدس اعتمادا على ( لوقا 1 : 15 ) والروح القدس يتنزل على الإنسان إثر التعميد ويوحنا هنا وفي هذه الحال ليس محتاجا لمن يعمده لأنه مملوء بالروح القدس من بطن أمه بشكل مسبق .
هذا عن الفاعل الذي امتلأ بالروح القدس من بطن امه التي حوت زرعا بشريا لرجل بالطريقة الجنسية الفطرية المعروفة ولا مانع ابدا ولا اعتراض في ذلك ، إلا أن وجه الغرابة هو أن يقوم يوحنا الحامل لكل هذه الميزات والتي لم تنقص من بشريته شيئا يقوم بتعميد شخص الناسوت المرتبط ارتباطا وثيقا باللاهوت وعن ذلك الناسوت وميلاده المعجز المذكور سلفا لم تمسه الروح القدس من بطن أمه وهو أولى ؛ فلا وجود لزرع بشري لرجل يعيق استقبال الروح القدسية في بطن الم الحاملة للإله ، ولكنه رغم ذلك ـ في الاعتقاد المسيحي ـ كان بحاجة إلى اعتماد لتتنزل عليه الروح القدس وقد حدث وأن نزلت كحمامة وأتت عليه .
إن معمودية يوحنا ـ السمائية ـ ، ـ إن كانت كذلك فعلا ـ لم تنقص من بشريته على الإطلاق ولم تغالي في وصفه ليكون عند الناس أكثر من بشر ، إلا أن معمودية يسوع البشرية أثبتت إنسانيته وأكدت عدم اتصاله الجوهري حينئذ بالإله .

وفي ذلك كان الإعلان الإلهي بعد أن اعتمد يسوع أولا وخرج من الماء ثانيا ونزل الروح القدس عليه أخيرا ، ثم نودي وقتها ....
" هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت . "

الثلاثاء، مارس 18، 2008

يسوع الناصري رجل ( الزمان )

إنَ مَن فَهِمَ أن المسيحيين قد ألّهوا السيد المسيح فقد ضل ضلاله البين ، فإن الأمر في الواقع غير ذلك على الإطلاق فهم يعتقدون صدقا أن الله هو ذاته السيد المسيح ، إذ لم يتحولوا عن عبادة الله إذ كانوا يهوداً وعبدوا المسيح عندما صاروا مسيحيين ، بالطبع لا ، ولكنهم اعتقدوا أن الله ذاته الذي كانوا يعبدونه إذ كانوا يهودا قد نزل وتمثل في جسد المسيح وشكله وكل فعاله وتصرفاته حيث صار ثلاثة في واحد . لهذا نجد في الأناجيل الأربعة المعروفة في المسيحية تباينا بين وصف السيد المسيح هنا وهنالك وتعارض بين أفعاله وأقواله بين كلٍ من تلك الأناجيل وفي هذا يمكن القول بأن لا تعارض ولكنه التكامل بين الرؤية الأقنومية ، إذ نجد على سبيل الذكر أن إنجيل متى أخذ تصورا واحدا لجانب من جوانب حياة السيد المسيح واهتم إنجيل مرقس بجانب آخر وكذلك إنجيل لوقا لزم جانب وتكلم فيه وإنجيل يوحنا أيضا فنجد أن البعض ركز على الوصف الإلهي له والبعض الآخر ركز على الوصف الرسولي وبعضٌ آخر ركز على الجانب البشري . ذلك حتى يسطع لنا من هذا في النهاية صورة متكاملة لذلك الثالوث ( الواحد ) ( آب و إبن و روح قدس ) .
لكن لست هنا أتكلم هذا الكلام كي أوضح نيابة عن المسيحيين عقيدتهم بل لأنني وجدت ما أثار هذا الموضوع وذلك الذي وجدته متواجد بجلاء في كتاب العهد الجديد الذي يُطلق عليه الإنجيل بسفر أعمال الرسل الأصحاح الثاني العدد 22 حيث يقول القديس لوقا الذي هو نفسه كاتب إنجيل لوقا يقول " أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال : يسوع الناصري رجل ... " من الوهلة الأولى سوف يقول كل قارئ مسيحي أن ليس في ذلك أدنى شك ولا تعارض بدليل ما ذكرته أنا في صدر مقالي عن تكامل الأقانيم ولكن المسألة أعمق من ذلك فإن السياق الذي ذُكرت فيه هذه المقولة " يسوع الناصري رجل " هو سياق خطبة ألقاها القديس بطرس الرسول أمام جمع غفير من الناس متعددي الأعراق والأجناس وكذلك أمام التلاميذ وقد أخذها عنه القديس لوقا وكتبها في سفره أعمال الرسل وصارت على هيئة رسالة مبعوثة لشخص يُدعى ( ثاوفيلس ) .
وبالنظر إلى ثلاثة عناصر في غاية الأهمية بشئ من التحليل المنعكس على تلك المقولة " يسوع الناصري رجل " نجد ان تلك العناصر تدحض بشدة فكرة الأقانيم رغم التكامل الذي ذكرته في بداية المقال . تلك العناصر هي ( الزمان ، المكان ، الحدث ) وعن الزمان فإن تلك الخطبة التي ألقاها القديس بطرس الرسول كانت في اليوم الخمسين من رفع السيد المسيح أو ( صعوده ) عن الأرض وبذلك يكون التصريح بأن " يسوع الناصري رجل " في هذا الوقت بالذات وهو أقرب وقت من حادث الصلب وقد كان يسوع قبله قد حث تلاميذه على ان يصدعوا بدعوته من بعده فكان الفعل الأول لهذا الصدع بالدعوة بأن قالوا " يسوع الناصري رجل " فيكون هذا التصريح إذا إقرارا وتأكيدا على بشريته دون الألوهية أو حتى انتزاع فكرة ألوهية ألتصقت به من أناس جهلة فجاء العارفين من التلاميذ لإيضاح الأمر الآن . وإن لم يكن ذلك فما كان إلا أن يُفترض أن يوصف من مريديه وتابعيه بعد صعوده بأنه إله إذ لم يبق الجسد بعد لإثباتِ بشرية على حساب ألوهية ، لكن رغم ذلك وصف بأنه رجل وهو كذلك .ومن جهة أخرى فإن الصفة الأساس تطغى على الصفة الاعتراضية وتطفوا فوقها فإن فرضنا جدلا معا ان المسيح هو الله وكان ما كان بتمثله بشرا فلا يصح أن يوصف بادئ ذي بدء إلا بالوصف ( إله ) لأنه كذلك في أصل الاعتقاد أما حين وصف بأنه رجل وهو لم يعد موجود بعد فهو تخليدا لذكرى بشريته التي هي الأساس لا سيما أن ذلك الوصف جيئ بوقت فيه كان الإعلان العلني الأول الذي سيكون المنهاج فيما بعد . إن الله لم يكن بشرا من قبل في اعتقاد المسيحيين إلا أن تمثله كذلك في المسيح ـ كما يعتقدون ـ هو مجرد حدث اعتراضي لسبب معين وبزوال هذا السبب يجب أن يوصف الله حينئذ بصفته الأساسية وليس بالوصف العارض فإذا فرضنا أن الله هو الفاعل وتمثله بشرا هو الفعل الصادر عنه فإن ذلك يوحي بأن المسيحيين عبدوا الفعل وأهملوا الفاعل الأصل ، وهذه مجرد افتراضات آلت بنا لحقيقة العقيدة المسيحية .
لذلك فإن هذا الوصف " يسوع الناصري رجل " لم يكن له علاقة من قريب او من بعيد بوصف ذات الله وإنما هو وصف مخلوق لله الذي هو يسوع المسيح الذي وصف علنا بأنه رجل . هذا في عنصر الزمان أما عنصري المكان والحدث فهذا ما سأعقب عليه في حلقات قادمة بإذن الله تعالى ضمن مقالات .