"بعد قليل" والعلم في الإنجيل
***
[ إنجيل يوحنا 16 : 12 ـ 16 ـ 18 ]
بدورنا نحن الآن كخدام للكلمة أن نقوم نقوم بالبحث عما هو هذا القليل الذي تسائل عنه تلاميذ سيدنا يسوع المسيح حينئذٍ ، ومن خلال كلماتٍ مباركة من وسط هذه الكلمات الي قالها السيد يسوع المسيح نستنتج ما هو هذا القليل الذي أخبر عنه ولم يبينه ، ونستنتج أيضاً ، هل الذي صُلب هو حقاً السيد المسيح أم آخر كما يروج المغرضون ؟ كل ذلك بأدلةٍ علميةٍ سوف يستبين ، فقط من خلال كلمات من ( الكتاب المقدس ) العهد الجديد ، عهد النعمة ، مرفقة بتجارب علمية دليلاً عليها ، والرب الموفق .
( ألم يكن السيد يسوع المسيح هو الذى على الصليب ؟ ) ( بلى ) هكذا يجيب كل إنسان مسيحى مؤمن بعقيدته إذا ما سُئل من إنسان مسيحىٍ آخر .
وبهذا يقول الإنجيل بشكلٍ صريح لكنه قد ينص بإيحاء على عكس ذلك ، فمن لديه أذنان للسمع فليسمع .
أيها الأخوة ، تعالوا نتخيل أنفسنا أمام سيدنا المسيح كتلاميذه ، ولنسمع , ولنعقل ما قال .
يقول السيد المسيح : " بعد قليل لا تبصرونني ، ثم بعد قليل أيضا ترونني " ( يوحنا 16 : 16 )
كان هذا الكلام قبل قليل من اندلاع حادثة الصلب الشهيرة ، وتنفيذها ، آى قبيلها مباشرة ، في مدةٍ لاتتعدى الساعات القلائل . ولكى نعي المقصد الحقيقي لهذه المقولة والتى سنستنتج منها لاحقاً حقيقة من هو بالتأكيد الشخص المصلوب لن يكون أمامنا سوى العلم سبيلاً للتوصل الى معانى تلك الكلمات التي قالها السيد يسوع المسيح في ( يو 16 : 16 ) " بعد قليل لا تبصروننى ، ثم بعد قليل أيضاً ترونني " .
إن حصتنا اليوم هى حصة في مادة العلوم البسيطة غير المعقدة لنعلم أن الرب الإله لا يخاطب آذاننا فنبقى سامعين فحسب بل إنه كما حثنا في رسالة القديس بطرس الرسول الأولى 1 : 13 " منطقوا أحقاء ذهنكم صاحيين " فعلينا أن نُعمل عقلنا في معرفته ، وهنا ، الآن ، وبالأسلوب العلمي ـ التجريبي ـ بما سنجريه من تجارب معدودة سنعرف بمشيئة الرب ماهذه الكلمات وما ترمي إليه في هذا الجانب بالذات.
قال السيد يسوع المسيح في سياقٍ مما قال : " بعد قليل لا تبصرونني " ولعلنا زدنا تشوقاً الآن فنتساءل عن هذا القليل كما تساءل التلاميذ قبلنا ؛ ولكي ندرك ماهو هذا القليل ، علينا أولاً ربط كلمات السيد يسوع المسيح بعضها ببعض فلنعرف أولاً ماهو الإبصار ؟ ـ بما أنه في سياق الكلمات موضوع الكلام ـ ، نستطيع أن نجيب بتعريفٍ مقتضبٍ مختصر بشكلٍ علمي عمومي لا يُخفى على أحدٍ ، بأن الإبصار هو ( في حال وجود ضوء ، انعكاس هذا الضوء على المادة إلى العين السليمة المجردة الناظرة فتُبصر ) كما يتضح أمامنا في الشكل (1)
وفي هذا الشكل نجد تصوراً تجريبياً لما ذكرناه من تعريف ، فالكرة موجودة وقد انعكست صورتها في وجود الضوء على العين المجردة السليمة الموجودة في مجال إمكان إبصارها كمادة ، ومن ذلك الانعكاس أمكن للعين أن تبصر " الكرة " ـ وهذا هو الإبصار ـ
وعند التوسع في العمل التجريبي لدينا الآن نُقدم لعملِ ذات التجربة بإضافة أدوات جديدة كما في الشكل (2)
وفي هذا الشكل نرى الكرة المنظورة هنا ليست حقيقية وإنما هي صورة منعكسة على مرآة من المادة الحقيقية ( الكرة الحقيقية ) . وبالتالي فإن العين هنا لا تبصر الكرة ! ، وإنما هي تبصر صورتها وذلك بسببِ أنها لم تَنظُر للكرة الحقيقية ، وأنماهي تنظر لانعكاس صورتها على سطح المرآة ، وبالتالي فإن الصورة الموجودة في المرآةِ غير حقيقية ، وبهذا تكون الكرة الحقيقيةِ غير مُبصَرة .
ولو طبقنا هذا الكلام العلمي المثبت بتجارب على كلمات السيد المسيح التي ذُكرت في ( يو 16 : 16 ) حيث قال : " بعد قليل لا تبصرونني " نجد التطبيق في هذا الشكل المُتصورُ أمامنا في الرسم التوضيحي التالي رقم (3)
وذلك مع تبديل الأدوات بتصور بسيط للأشخاص في الموقف الحقيقي . فالعين المجردة في التجربة يكون نظيرها في الواقع جمع من التلاميذ أو الناس الموجودين والموجه إليهم الخطاب على حدٍ سواء .
فالسيد المسيح متمثل أمام الحضور جسدٌ وروح ، له مجال إبصار لمن حوله ، فالكل يُبصرهُ إن كان مُبصِراً ، إذاً فعلى أساس قاعداتنا الأولى ، أن من ينظر للسيد المسيح يبصره ، فمن ثم تنعكس صورة السيد المسيح على أعين من نظر من التلاميذ والناس الحضور ـ التلاميذ المؤمنين خصيصاً ـ إذ كانوا هم المقصودين في الكلام ، ولهم وجِه الخطاب .
إذن فقد انعكست صورة السيد المسيح على أعينهم فأبصروه فقد كانوا له ناظرين ، وقد كان موجداً بالفعل في هذا الوقت حينئذٍ ، مما كان مُلحّاً أن يقول ويصف ما سيحدث من اختلاف آتٍ ، فاصلاً بينه وبين المعتاد عليه إذ كان يتكلم ، فقال " بعد قليل " وهذه الكلمة تعكس أيضاً اقتراب الموعد ، فماذا صار بعد قليل ؟ . . هيا لنرى :ـ
في هذا الشكل (4) تصور بسيط لحادثة الصلب الشهيرة .
وفيه نرى الصليب معلقاً عليه المصلوب ينظره المتواجدون الحضور للموقف وشهود العيان .
عندما نطبق هذا الحدث العظيم كموقف كما طبقنا الموقف السابق في صورة تجريبية اعتماداً على تعريفنا للإبصار ،
نجد أنه مع هذا التعريف ، لن يكتمل حتى الآن ما نرمي إليه فيما قال سيدنا يسوع المسيح ، إذ أنه حين قال : " بعد قليل لا تبصرونني " ( بالطبع كان قاصداً هذا الكلام ، فلم يقله اعتباطاً ) بمعنى أنه علينا معاينة كلماته بالعقل حتى لا نقع في مجاهل الجهل وتعريض كلمات السيد للقيل والقال على حساب صحتها علمياً ومنطقياً لكل فاهم وعاقل .
ــ يعتقد المنتقدون :
" إنه إذا كان المسيح هو المصلوب في الشكل السابق (4) فإن هذا الشكل (4) ينفي صحة المقولة الكتابية في ( يو 16 : 16 ) التي هي على لسان السيد المسيح ويقول فيها " بعد قليل لا تبصرونني " إذ أن هذا القليل لم يتحقق حتى الآن حسب نظرية وقانون الإبصار ، فالسيد المسيح مازال مُبصراً حتى اللحظة حينئذ في شكل (4) . ولكن رغم ذلك ، لنأخذ على عاتقنا هذا الاعتقاد إلى منتهاه ولنرى نتائجه إلى ما ستوصلنا . "ــ صحة الاعتقاد المسيحي
( المسيح على الصليب ) إذاً فالمقولة في ( يو 16 : 16 ) " بعد قليل لا تبصرونني " حريٌ بنا أن نقول أنها لم تُحقق حتى الآن ! إذاً فلننتقل لوقتٍ آخر تالٍ لهذا الوقت . والوقت التالي لعملية الصلب هو ما حدث بُعيد الصلب ، إذ أنزلت الجثة ـ الجسم المصلوب ـ من على الصليب ( ميتاً ) ، في الشكل التالي يتضح نفس الشئ في الشكلين (1) و (3) حيث التجربة والتطبيق . وهنا في الشكل (5) نرى نفس التجربة تتكرر لكن مع موقف جديد .
وفي هذا الشكل يُرى الجسم الذي كان على الصليب الذي هو ( جسد يسوع المسيح ) نجده مسجىً ميتاً مرئياً ومنظوراً مُبصَراً، وبذلك فالمقولة موضوع كلامنا لم تتحقق حتى اللحظة أيضاً ، فقد قال السيد المسيح " بعد قليل لا تبصرونني " وقد تساءل التلاميذ في أنفسهم عن هذا القليل ، وها نحن مستمرون نبحث في ماهية هذا القليل ما هو ؟
إذ لم يكن هذا القليل كما عاينا من خلال التجارب العلمية المجراة ، الوقت فيما بين انطلاق المقولة وحدوث الصلب بالفعل .
كما أنه كذلك لم يكن هذا القليل هو الوقت الممتد حتى إنزال الجسد المصلوب من على الخشبة .
بذلك فنحن مستمرون في بحثنا هذا لملاقاة سبيلاً موصلاً لمعرفة هذا القليل .
فَبِعَدَمْ تحقق المقولة في أي من تلك الحوادث لدينا عَياناً ، إذاً فلننطلق الآن إلى موقف تالٍ لهذا الحدث العظيم ، والذي قد يكون الفيصل في فكر البعض ، فكل الكلام سوف يدور حوله الآن . إنه القبر !ــ في القبر
بعد دخول الجسد المصلوب في القبر نسأل أنفسنا سؤال هنا وهو : بعد دخول المصلوب الميت القبر ، هل يتحقق بقبره القول " بعد قليل لا تبصرونني " ( يو 16 : 16 ) وذلك لأنه ذهب عن العيان لوراء الجدران في القبر ؟
وقبل أن نجيب بأي جواب جازم في ذلك وحتى لا نكون مبالغين متلمسين الأمور بعواطفنا ، نود فقط ملاحظة شئ بالغ الأهمية هنا وهو وجوب التفرقة بين التجربة رقم (2) في بداية موضوعنا ووضع الواقع حينئذ ، المُتصَوَر بهذا الشكل التالي رقم (6) .
فالشكل الأول المقصود (2) كانت الكرة لها صورة غير حقيقية منعكسة في المرآة . أما هنا في الشكل (6) فالجسد الحقيقي منعزل وراء حائل ، جدار ، وليس منعكساً على شئ وبالتالي فبما أن الميت قبل دفنه يكون منظوراً بالإبصار ، وبعد أن يُقبر يكون مُعرضا لمن يبصره من الناس ـ إن أرادوا إبصارهُ ـ أو لا يبصروه فذلك يجعل المقولة في مضمار انعدام توافقها حتى الآن مع الحدث الحصل وهو دخول الجسد للقبر .
فلو تصورنا معاً على سبيل المثال في تجربةِ هذا الشكل (7) أن الكرة تقبع خلف حائل . فإن الكرة لن تُنظر بطبيعة الحال وبالتالي لن تُبصَر من ناظرتها المواجهة لها في الشكل التوضيحي وهي العين . ولكن هل الكرة هنا معرضة في هذه التجربة لأن تكون منظورة مُبصرة من ناظرين آخرين غير العين الناظرة في الشكل أمامنا ؟ بطبيعة الحال سيكون الجواب بنعم ، حتى أن العين المحجوبة عنها الكرة لو أرادت إبصار هذه الكرة لما صعُبَ عليها ذلك ولكنه لديها بالأمر اليسير . ثم أنه إذا أزلنا الحائل ، فإن العين ستبصر بشكل مباشر الكرة الحقيقية التي نريدها ، تماماً كما في الشكل (1) في بدء موضوعنا هذا . إذاً ففي الشكل (7) الكرة لم تكن غير مُبصَرة من ذاتها ، ولكن البصر أحيل عنها بسبب وجود عائق لعدم مباشرة النظر سببه الحائل ، ولكنه لم يستحيل . والدليل أننا لو أزلنا الحائل الذي في الشكل (7) سنكون امام الشكل (1) أي اننا سنبصر الكرة مباشرة . وكذلك في القبر ، فالميت قبل دفنه كان منظوراً من الناس ، وبعد دفنه هو أيضا مرئي !!! كيف ؟ نقول بالرجوع إلى التجارب السابقة مباشرة ، ندرك كيفية حدوث ذلك . فلو فُتح القبر عليه لوجد مسجى ميتاً ولأبصرناه .
إذاً فكما أن المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " ( يو 16 : 16 ) لا تتماشى مع المصلوب والجثة للميت ، فهي كذلك لا تتماشى مع المقبور أيضاً ، لأنه ـ أي المدفون ـ لم يُعَرض لمن يبصره في مدفنه أو قبره ، كي تطلق على تلك الحال " لا تبصرونني " بإطلاق لفظي و بتعقيب .. " ثم بعد قليل أيضاً ترونني " وهو التعقيب الذي يؤكد على عدم استحالة إمكانية إبصار الميت في القبر ، إذ أن المقولة توحي باختفاءِ ذاتي وليس اختباء ، فكما في التجربة (7) , كان القبر هو بمثابة الحائل الذي يحجب ورائه الكرة . فإن الجسد في القبر كمادة تكون معرضة للإبصار , ولكن لانحجازها وراء جدران القبر فقط هو الذي حال بين الإبصار العيني وبين تلك المادة .
وكما أسلفنا فإن المقبور لم يُعرض لمن يبصره في مدفنه ولو صار لأُبصِر ، فهذا ما أكدته بعدُ كلمات السيد التالية " ثم بعد قليل أيضاً ترونني " أي أنكم بعد قليل سترغمون على عدم المقدرة في إبصاري ثم بعد قليل أيضاً سأظهر لكم ويكون متاحاً لكم أن ترونني .
ــ افتراض اختفاء الجسد في القبر
لو افترضنا ( اختفاء الجسد في القبر ) كما في الشكل (8) فهل تنطبق عليه المقولة ـ موضوع البحث ـ المذكورة في ( يو 16 : 16 ) ؟
بالكلام السابق المرفق بالتجارب مع الكلام التالي أيضاً نستطيع أن نقول " لا " ، لا تنطبق المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " مع ( اختفاء الجسد في القبر ) أو ( القبر الفارغ ) . . ولكن لماذا نقول هذا الكلام ؟ نقول هذا الكلام ، لأنه قبل اختفاء المادة ـ أي الجثة ـ كانت منظورة للعيان ، واختفاؤها وراء جدران قبر لم يكن اختفاءً بقدر ما كان اختباءً أي انحجاز .
وإذا افترضنا التلاشي بصورة غير طبيعية ( إعجازية ) داخل القبر بحيث يصير القبر فارغاً ، فهذا أيضاً لا يطابق المقولة لأن اختفاء المادة سبقها وجود حائل حال بين الإبصار مع عدم استحالته والمادة . فلم يَفرِض الاختفاء ذاته كعملٍ إعجازي قبل أن يُفرض عليه الحائل الحجري للقبر . فإنه ليس للمعجزة معنى إن لم تكن أمام أناس يعجزون عن تفسيرها .
ذلك وأن الجسد لم يختف داخل القبر أصلاً إلا أن هذا ما كان إلا محض افتراض بأنه ( حتى لو اختفى الجسد ) لكنه واقعياً لم يختف ، بل قام قياماً وخرج من القبر ( حسب الإنجيل ) .
إن المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " على لسان السيد المسيح في ( يو 16 : 16 ) بالكتاب المقدس ، لم يكن مقصدها أبداً أنه سيُقبر فيكون صعباً على التلاميذ وجماعة المؤمنين إبصاره ، بالطبع لا لأنه وَضَّحَ لهم أنهم لا يمكنهم أن يبصروه بأي حال من الأحوال لأنه سوف يحدثُ حدثٌ ما ! فبالتالي هو لم يُقبر ، لم يختبئ ، لم يبقى ! نعم [ لم يُقبر ، لم يختبئ ، لم يبقى ] لأنه في كل تلك الحالات هو معرض تعريضاً مباشراً أو غير مباشر لمن يبصره ، في حين أن قولته " بعد قليل لا تبصرونني " كانت عمومية واضحة باستحالة إبصاره حتى لمن حاول ذلك .
من ثَم نعود لسؤالنا الذي تركناه دون جواب شافٍ ، ونلخصه ، وقبل أن نجيب مباشرة فلنذكر بالسؤال أولاً . ( بعد دخول الجسد المصلوب القبر ميتاً ، هل تتحقق فيه المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " ؟ ) وهنا ومع السابق ذكره ـ بالعمل التجريبي ـ يكون الجواب لا ، فالجسد لم يختفِ اختفاءاً ، ولكنه حُجز فقط وراء حائل وهو معرض للإبصار من أي جهةٍ اخرى وحتى جهة المؤمنين والتلاميذ الموجه لهم الخطاب ذلك إن أرادوا .
هل نحن أمام معضلة ولغز طرحه السيد المسيح ولم يوضحه ؟ فإنه ومع كل تلك المواقف والتجارب لم يكن أي تحقيق للقول المذكور في ( يو 16 : 16 ) فماذا إذاً وقد صعد المسيح ؟! أيكون صعوده هو ذلك ؟ أي بين قول السيد المسيح قولته وبين الصعود هوذا القليل الذي أخبر عنه ؟ لا ، فإن السيد المسيح هو مجيب عن ذلك إذ يقول بغير المباشرة في الجواب " الحق الحق أقول لكم : إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح . أنتم ستحزنون " ( يو 16 : 20 ) وما كان وقت الصعود إلا فرحة من بعد حزن ، نعم كان فرحٌ وانتظار الروح القدس كما أخبر ، فإنه هاهنا يشير لما هو قادم حينئذٍ وقد قَرُبَ قدومه ، إنه ينبه لموقف فيه بكاء وعويل ونواح ودموع ، وفرح وشماتة الأعداء ، إنه ينبه للحدث العظيم " الصلب " ! وفي هذا الميقات تتحقق الكلمات التي نبس بها فاه سيدنا المبارك يسوع المسيح .
وبهذا تكون العودة التلقائية للشكل رقم (2) في تحقيق هذه المقولة ويمكن إعادة عرضه كي يتنسنى للجميع مراجعته .
في هذا الشكل رقم (2) نجد تحقيقاً للمقولة " بعد قليل لاتبصرونني " ( يو 16 : 16 ) ، ففيه انعكس شكل الكرة على المرآة بصورةٍ غير حقيقية ولكنها مطابقة ومشابهة لها في الشكل ، فانتبهت العين لها دون الحقيقية . وبالتالي فالعين لم تُبصِر الكرة الحقيقية المقصودة ـ الجسم المادي الحقيقي ـ ولكنها أبصرت شكلاً مشابهاً ومتطابقاً في الشكل مع الأصل ، إذاً فالأصل لم يُنظر حينئذٍ ، فبالتالي لم يُبصر . وبذلك تكون قد تحققت مقولة " بعد قليل لاتبصرونني " على الأقل تجريبياً حتى الآن .
كانت تلك التجربة التي صورناها في الشكل (2) حيث الكرة وصورتها المنعكسة على المرآة كتحول للرؤية الحقيقية للكرة في الشكل رقم (1) . ولقد قابلنا الشكل (1) تجريبياً بالشكل رقم (3) في تصورنا الواقعي للموقف حينها في بداية المقال [ ثم مر الوقت ] " القليل "
وكان منا أن قمنا برسم الشكل رقم (2) وهو الخاص بانعكاس صورة الكرة على المرآة بحيث أُبصرت صورة غير حقيقية للكرة الأصل ، ولكننا لم نقابل الشكل التجريبي (2) برسمٍ مقابل مُتَصوِِرِاً للواقع في بدء الموضوع وذلك لتجنب التشويش على القارئ بِحُكمِنا المسبق ، وبالنتيجة البارزة لدينا والمتأسسة عليها موضوعية هذا البحث . فقد اكتفينا فقط بوضع شرح لنتيجة التجربة ذات الأدوات في الشكل (2) ، واستمرينا آخذين في الاعتبار صحة جميع الفرضيات الشائعة التي تبنيناها مؤقتاً وهي (( أن الذي على الصليب هو سيدنا يسوع المسيح )) و ( الاختفاء في القبر أو القبر الفارغ ) وذلك كاعتقادٍ عام . ورغم ذلك في النهاية لم يوافق أي موقف من تلكُما المواقف ما عَنيه سيدنا يسوع المسيح في كلماته .
والآن وجب علينا التصوير ولو بشكل مبسط واقعية الرؤية غير الحقيقية للأشياء والمواد كما في الشكل (2) والذي يبين أن شيئاً غير الأصل هو الذي كان مُبصراً حينئذ ، ولكنه أدى إلى لبس بسبب مطابقته الشديدة ومشابهته للأصل . فها هنا التجربة والواقع والقول في كتابنا الإنجيل المقدس يؤكدا على كل ذلك .وأمامنا الآن تطبيق التجربة محل تحقيق الشكل (2) في واقع مُتصور في الشكل رقم (9) ليكتمل لدينا التصور النهائي فيما هو هذا القليل من خلال التصور الأقرب إلى الصحة لما قد ذٌكر في ( يوحنا 16 : 16 ) كتاب العهد الجديد .
لقد كان ذلك القليل الذي ذُكر على لسان السيد يسوع المسيح هو تلك الفترة الزمنية المحصورة فيما بين قول السيد المسيح مقولته هذه وحتى الإمساك بالشخص الذي صُلب وبمجرد اعتقاله ، وبما أن المصلوب كان منظوراً ومرئياً فمبصراً ، فطبيعي أن يكون قائل المقولة " بعد قليل لا تبصرونني " وهو سيدنا يسوع المسيح بمنأى عن الصليب نهائياً في ذلك الوقت . إذاً فالمقولة " بعد قليل لا تبصرونني " كان المقصد الحقيقي لها أنهم ـ أي التلاميذ ـ لن يستطيعوا أن يبصروه ساعتها ولكنهم ربما سيرون شيئاً آخر بديل أو شبيه أو ما شابه ذلك ، المهم أنهم لن يبصرونه شخصياً دماً وروح على السواء .
وبالتالي يكون الذي عُلق على الصليب صلباً هو ليس بكل تأكيد علمي ومنطقي مبرهن السيد المسيح ، فبتجارب أدت إلى انه ليس المصلوب أو المعلق على خشبة الصليب هو المسيح حقيقةً ، ولكنه هو شخص آخر بديل ، إن رفضت أخي هذا الكلام ، فأعد قراءته فلعل الكلمات عليك قد التبست فمن رفض هذا الكلام فإنما أحكم على عقلهِ غلقهُ ووشحه الغطاء أو أغاصه في لُجةِ الأهواء وما رضى له إلا إباء رفضٍ وكبرياء أمام حُكم رب وإله السماء .
إن من رفض ذلك الكلام الذي سبق ، فإنما هو يضع كلمات السيد يسوع المسيح في مجال شك ، هل هو قائلها ؟!! أم أنها ما هي إلا وضع واضع ولم ترتقِ لمرتبة الوحي ؟! ..
وإنْ وافق الموافقِ هذا الكلام المُبنىَ علمياً ، فلقد وافق هو بذلك على نبوءة سماوية وعن إلهاماتٍ إلهية ووحي على لسان السيد يسوع المسيح وافقت ما يرنو إليه الدين والمنطق العلمي الصحيح .
وإن نفوساً أبت إلا عناداً وعقولاً أبت إلا انغلاقاً وسولت لها أنفسها أموراً أن تشيع في الدين أمراً ما نصه الكتاب ولا كان لها مكاناً في لب عاقل عند ذوي الألباب ، فلو حَكّموا العقول وتدبروا القول لكان خيراً لهم وإنما يتذكر أولوا الألباب ، أفلا يتدبرون ، فمنطقوا أحقاء ذهنكم صاحيين .