الخميس، أبريل 17، 2008

المعمودية 2 ( ملاك الرب )

قلنا في المقال الأول بصحة فرضية أن معمودية يوحنا أنها من السماء كانت رغم عدم وجود نص جازم لذلك إلا انه بالرجوع إلى ( لوقا 1 : 15 ) يكون ذلك كافيا لمعرفة أصل اعتماده حسب الاعتقاد المسيحي المستقى من العهد الجديد .
وقلنا كذلك أيضا أن تلك المعمودية الخاصة لم تنتفي فيها بشرية يوحنا فلم يقال بعدها أنه سوى بشر كإله أو حتى أقل بكثير كملاك مثلا ، إلا أن معمودية يسوع بيد يوحنا شككت فيما يثار حوله من دعوى الألوهية وألصقت به صفة الناسوت ليس إلا .
والآن وفي هذا المقال سوف نحيد قليلا عن فكرة المقال الأول ـ رغم صحة فرضيتها ـ حيث سنؤول إلى عدم أنسنة يوحنا المعمدان حيث نتصور وكأن المراد الإلهي هو أن يقوم شخص مقدس غير مدنس بتعميد ناسوت اللاهوت لتحل على ذلك الناسوت صفة القداسة باعتماده ، ليكون بالإمكان ذلك ؛ حيث لا روح قدس بلا اعتماد .

فإذا فرضنا أن يوحنا المعمدان هو ملاك من الله اعتمادا على ( مرقس 1 : 2 ) وأيضا استنتاجا من ( يوحنا 1 : 19 ـ 22 ) فلنفترض جدلا أن يوحنا ملاكا أرسل بالفعل لتعميد يسوع وذلك بما أنه ملاك مطهر مسبقا والطهارة تكوينه ، فإن يسوع بذلك قبل التعميد ناسوتا عاديا غير مرتبط جوهريا بلاهوت وذلك على أساس ( متى 3 : 16 ) وغيرها . فقد كان هذا دور الملاك ( يوحنا المعمدان ) ؛ أن يعمد إنسانا ليضفي عليه بأمر من الله صفة ما ، ولكن ماهذه الصفة التي تجعل الناسوت متحدا اتحادا اندماجيا بذات اللاهوت ؟ .. إن الاعتماد أضفى على شخص المسيح صفة روحية جديدة فبعدما كان ناسوتا عاديا أُهلَ بالاعتماد من الشخص المطهر ـ المناسب ـ ليستقبل الإلهامات الإلهية فيمكن في هذه الحال أن ننسب إليه أنه اكتسب صفة النبوة أو الرسولية لاستقبال الوحي الرباني فصار مرتبطا ارتباطا روحيا بربه الله ولكنه ارتباط غير جوهري . فالمعمودية أعطت قدسية ولم تعط ألوهية ؛لم تعطِ ألوهية لأن التطهر يحول الإنسان إلى طاهر أو صديق أو قديس أو نبي أو رسول وكل هذه المسميات في إطار إنساني محض بشري خالص . فلم يعط الاعتماد ألوهية للناسوت لأن التطهر كان سابقا عليه ، ولي بالمبالغة في الطهر يصبح المرء شيئا أخر مختلفا في جوهره ، فالروح القدس لم يأتِ إلا بعد مرحلة المعمودية .
عند اعتبار يوحنا المعمدان ملاكا رشح ككائن مطهر لمعمودية يسوع لإحلال عليه الروح القدس يكون بذلك يوحنا ليس فقط ممهدا لطريق يسوع أمامه ، بل يكون كواضع سر اللاهوت في شخص الناسوت أيضا ! .
إن ذلك الكلام لا يستقيم بل لايليق . ذلك مع القول بأن هل يضع الملاك سر الألوهية ويمسكها بيده أم يكون هو الناقل لسر النبوة ؟ فأي التصورين أفضل ليستقبله العقل في ذلك .