الخميس، أبريل 17، 2008

يسوع الناصري رجل 2 ( المكان )

قلنا في المقال السابق واتفقنا أن لا تعارض على الإطلاق بين الأناجيل في المسيحية عند صفة يسوع المسيح إذ لما يصفه أحدهم بأنه يتعامل تعاملات البشر هناك فلا يعترض ذلك مع وصف آخر بأنه يفعل أفاعيل الآلهة هنا فقد قلنا أن الأناجيل تكمل بعضها البعض من وجهة النظر الأقنومية .
وقلت أيضا أن ذلك الكلام لا ينم بالضرورة عن إيمان إلا أنه في واقع الأمر هو فهم لطريقة اعتقادٍ ما وقد يقول البعض من المسيحين أنني ما دمت قد وصلتُ إلى هذه الغاية بأن فهمت تلك العقيدة وأن لا تعارض في كتبها فلما لا أكون معتنقا لها معتقدا بها ؟ وأقول هنا أن كلامي في هذه الأمور أنها أعمال بحثية علمية وليست بحثا عن الحقيقة كما يظن البعض .
ثم دخلت في صلب الموضوع الذي كان حول مقولة قالها العديد من التلاميذ بعد رفع السيد المسيح وحادثة الصلب والتي وثقها نصا القديس لوقا في سفره أعمال الرسل العدد 22 والتي تقول " يسوع الناصري رجل " وقد قلنا في مقالنا السابق أنه بالنظر إلى ثلاثة عناصر هي ( الزمان ، المكان ، الحدث ) نستنتج دحضا واضحا من عمق الفكر الإنجيلي لصُلب التركيبة الأقنومية وقد أخذنا عنصر الزمان بشئ من التفصيل المختزل واتفقنا أن ينفرد كل عنصر من العناصر التالية بمقال تجنبا للإطالة . والآن نحن أمام عنصر المكان لكشف وجه الخلاف الذي تفرزه تلك المقولة امام الفكر المسيحي كله .

قيلت المقولة التي تقول " يسوع الناصري رجل " في زمانٍ ليس ببعيد من حادثة الصلب الشهيرة ورفع يسوع المسيح إذ قيلت بعد خمسين يوما من ذلك وقد كان مكان التصريح بها مدينة أورشليم ، والآن وفي ذلك الزمان ـ آنذاك ـ قيل علنا " يسوع الناصري رجل " كما عُرف في نفس المكان ولنفس الشخوص تقريبا والجموع وأنه بهذه الصفة وليس بصفات غيرها وبهذا ارتفع القديس بطرس الرسول مخاطبا الناس وفي بداية خطبته الرائعة تلك نادى اليهود وقال " أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون ... " ثم دعى إلى العظة الأولى بعد استطراد وقال " ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص " ( أعمال الرسل 2 : 21 ) ثم نبه وقال " أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال " ثم صرح بـأن " يسوع الناصري رجل " وما الفرق بين أولئك الرجال والذين من بعدهم ذكرا وهذا الرجل ؟ لقد كان هذا المكان يجمع أولئك الرجال مع يسوع الذي عرف بأنه رجل ولم يعرف بسوى ذلك في هذا المكان صُرح بطبيعة يسوع بعد انعدام وجوده أرضا (( في ذات المكان )) إذا فذلك ماهو إلا تأكيدا على تلك الطبيعة البشرية ليسوع . وكما ان هذا المكان حوى كما قلنا سابقا العديد من الأجناس والأعراق كما حوى في حدوده التلاميذ وأتباعهم إذ أن هذا المكان بما حواه من أناس شتى سمعوا تلك الخطبة وتلك المقولة فيها ولو كان المسيح شيئا غير رجل حقا كشكل عقدي لما ترك الواعين والمدركين من التلاميذ هذه الفرصة المكانية الفذة إذ اجتمع فيها بوقت قياسي واحد الكثير من الناس الذين وبكل تأكيد سيكونوا اوعية تنضح بما تسمع كما نضح بدوره الفعال القديس لوقا بأن أرسل ذلك الكلام الذي أنشأه إلى الشخص الذي يُدعى ( ثاوفليس ) .
ونعود إلى الشكل الإقنومي وأقول أن التزام القديس بطرس الرسول بالتحدث عن صفة الناسوت هنا ليس لديها أي مبرر مقنع فالمعروف أن السيد المسيح كان في وجوده معروفا بأنه رجل جليلي أو ناصري إذاً وبعد مضي السيد المسيح هل كان فرضا على بطرس أو سواه أن يُعرف مُعرفا أصلا إلا إذا كان هذا المعرف آنذاك قد بدأ يشوب تعريفه شئ من إرهاصات الإنحراف العقدي أو الفكري وذلك قد يكون راجعا إلى ازدياد حدة المعجزات على مقياس التقبل العقلي للبشر
.
ما كان على بطرس الرسول في هذه الحالة الزمانية او المكانية على حد سواء إن كان المسيح حقا إله ، ماكان عليه إلا أن يقول بصورة تغلب وضوح النور أنه ( إله ) ولكنه وللسابق ذكره صرح بما كان هو يعتقده وما كان شائعا آنذاك . فيسوع الناصري رجل في اعتقادي الذي يؤكده صوت الإنجيل مُدعما بأقوال التلاميذ الأخيار في ذلك .